هل يصل لبنان إلى رئاسة جمهورية مقبلة؟
} د.وفيق إبراهيم
يتواصل انحطاط الأوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان على نحو يستبعد فرضيّة بقاء الدولة لأشهر مقبلة عدة.
فالنظام السياسيّ يعتمد على التفتت الطائفي الداخلي الذي يحول حتى الآن دون اجتماع الشارع في تحرّك ضخم واحد يضع هذا التشتت على الحياد للمدة التي تكفي لإسقاط أسوأ سلطة سياسيّة تعبث بأن الشرق الأوسط ومصالح الناس والشعب مبعثر بين 17 طائفة لم تتفق حتى الآن على مشروع موحد لإنقاذ وطنها من وبال سحيق تتلاعب به مجموعات من الزعماء والأوصياء وأشباه الأحزاب المماثلة للعصابات او قد تتفوق عليها في إتقان السرقات الكبيرة والموصوفة التي لا يوجد مَن يعاقبها.
كما يعتمد هذا النظام على تأييد خارجي، خليجي وغربي متمركز في اتجاهات فرنسيّة وأميركية.
هذا الوضع يثير الريبة ومن دون أي تفسير لها.
فلبنان غربي الاتجاه والهوى والسياسات منذ تأسيسه وطبقته الحاكمة تسرقه بالتأسيس، فأين جديده الذي يجعل رعاته الإقليميين والخارجيين يراقبون انهياره من دون أي تحرّك فاعل، لكنهم يمنعون عبر الطبقة السياسية الحاكمة أي عروض اقتصادية قد تصله من روسيا والصين وإيران، لانهم مدركون ان المدخل الى السياسة هو الاقتصاد، فيخشون بالتالي من انزلاق لبنان نحو الشرق الذي يبتدئ اقتصادياً وينحرف ملتقياً بسورية وإيران فيشكلون معاً واحداً من اقوى المحاور المتحالفة مع المحور الروسي، الإيراني السوري القادر على قلب وجه المنطقة الى إطار العداء الفعلي للمحور الأميركي السعودي – الإسرائيلي.
يقود هذا الكلام الى محاولة تفسير ما جاء على لسان سمير جعجع قائد حزب القوات اللبنانية.
للإجابة فإن سياسياً يكتنز كل هذه العداءات لا يصل مطلقاً الى منصب رئاسة الجمهورية.
فإذا كان الأحزاب المجسّدة للغالبية السنيّة المتحالفة حالياً مع جعجع وأحزاب الدروز والقسم الأكبر من الأحزاب المسيحيّة لا تقبل بقائد القوات رئيساً، فكيف توافق عليه الأحزاب الشيعيّة والتجمّعات السنية الكبرى.
اما لماذا لا يوافقون عليه، فإن السياسي هو العامل في الميادين السياسية تؤيده الناس وتسقطه أيضاً.
اما بالنسبة لجعجع فقاتل في الحروب الأهلية وهذه تهمة لا تكفي لإلغائه داخلياً، لكن علاقته بـ”إسرائيل” ومشاركته في غزوها للبنان وتلقيه تمويلاً وسلاحاً منها، لهي من التهم غير القابلة للإزالة من الذاكرة، لانها لا تعني القسم الوحيد المسيحي الذي يمثله بين اللبنانيين بل كامل اللبنانيين الذين اصابهم الغزو الاسرائيلي مجمداً أدوار جعجع الاسرائيلية في ذاكرته ولا ينساها قط.
لكن قائد القوات لم يذهب هذه المرة ناحية انتخابات طبيعية فيها غالب ومغلوب بنتائج التصويت، بل ذهب الى تزوير تطبقه كل قوى الطوائف في لبنان ويقول إن كل حزب يحظى بأكبر كمية من النواب في طائفته يجب ان يتولى الرئاسة الدستورية الأولى فيها، كحال السنة والشيعة لكن المسيحية التاريخية تجاوزت هذه النقطة وبدأت بتقبل النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية على ان تكون تسمية أعضائها من الكنيسة المارونية صاحبة الاقتصاد الأقوى المسيحي في لبنان وبالتالي الاقتصادات الأخرى في الطوائف الإسلامية.
هناك قيادة الجيش ايضاً معها كبار المساهمين في التسمية والموافقة على أي رئاسة مقبلة للجمهورية.
هذا من الجانب الداخلي، اما الخارجي فيجب على كل مرشح للرئاسة ان ينبثق من عباءة السفارة الأميركية وشقيقتها الفرنسية على ان يتم إبلاغهما بالاسم للسعودية على سبيل زيادة رصيد الدعم للرئيس المقبل. واخيراً يرسل هذا الاسم المتبنى الى جلسة الانتخاب في المجلس النيابي ليقترع له 128 نائباً فينال معظمهم من خلال تأييد السفارتين الفرنسية والأميركية له فتبدو وكأنها عملية ديموقراطية صرفة في حين أن الحقيقة تؤكد ان ما يطلبه جعجع من اختيار صاحب الكتلة الأكبر في مذهبه رئيساً للبلاد او على طريق الاستشارات في السفارات هما طريقتان تؤكدان أن النظام اللبناني ليس ديموقراطياً بقدر ما يستأجر واجهتها للتجميل من جهة وضبط العلاقات بين الطوائف لمصلحة الهيمنة الأميركية – الفرنسية.
ما هو المطلوب؟ إعادة بناء نظام انتخابات دستورية شعبية تترك للناخبين الحق في اختيار ممثليهم ما يؤدي الى انتخابات لرئاسة جمهورية ولمجلس النواب والحكومة فيها بعض العبق الشعبي وهو المطلوب.
وبهذه الطريقة يتأكد سمير جعجع انه خارج عن أي منطق لبناني مثبت على علاقات ضرورية بين الطوائف وقابلة للتطور الى علاقات شعبية فعلية في أوقات ليست بعيدة لا يتجرأ فيها بعض المتعاونين مع “اسرائيل” من كل الفئات من الترشّح لأي نوع من الانتخابات مهما كانت صغيرة او كبيرة.
الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى أين؟ ينحت جبران باسيل قائد التيار الوطني الحر الصخر ليصل اليها بمعونة من عمه رئيس الجمهورية فيما السفارات المعنية تختار من الأسماء الاكثر تأميناً لمصالحها، ويبقى المواطن اللبناني متفرجاً لا علاقة له بما يجري وكأنه مواطن في جمهورية الكونغو او بساتين الموز في أميركا اللاتينية.