روسيا والشرق الأوسط: من لاعب احتياط إلى رأس حربة
} د. علي سيّد
الذين واكبوا العدوان “الإسرائيلي” على لبنان في نيسان 1996، أيّ ما سُمّي “عملية عناقيد الغضب”، يذكرون كيف وضعت الولايات المتحدة الأميركية فيتو على دخول روسيا على خط حلّ الأزمة بين المعتدى عليه لبنان والمعتدي “إسرائيل”، واقتصرت الدول التي شاركت في المباحثات لحلّ الأزمة وبالتالي وضع الحلول على الولايات المتحدة وفرنسا وسورية.
لقد كان وجود الرئيس الراحل رفيق الحريري على رأس الحكومة اللبنانية وعلاقته المميّزة بالرئيس الفرنسي جاك شيراك، والدور النشط والمبكر للدبلوماسية الفرنسية ممثلة بوزير الخارجية “إيرفيه دي شاريت” قد أحدث أمراً واقعاً لم يتمكن الأميركيون من تجاوزه في “تفاهم نيسان” الذي نص على إشراك فرنسا في لجنة المراقبة الخماسية (الولايات المتحدة، فرنسا، سورية، إسرائيل، لبنان).
بالرغم من تدخل الدبلوماسية الروسية بشخص وزير خارجيتها يفغيني بريماكوف، فاللافت كان قيام الأميركيين و”الإسرائيليين” بإخراج “الروس” من الحلبة سريعاً على حدّ تعبير الصحف الصادرة آنذاك، باعتبار أنّ المنطقة حكر على الأميركيين وليس للروس موطئ قدم في الشرق الأوسط.
بوتين وتغيّر الدور
منذ تولي الرئيس فلاديمير بوتين السلطة عام 2000 عمل على إعادة روسيا إلى منطقة الشرق الأوسط، إلا أنّ ثورات ما سُمّي بـ “الربيع العربي” تعدّ الحدث الرئيسي الذي حفز موسكو على الإنخراط أكثر فأكثر بنشاط أكبر في الشرق الأوسط، نظر الكرملين إلى “الربيع العربي” على أنه نتيجة لمحاولة واشنطن قلب التوازنات في المنطقة لصالحها أكثر من السابق عبر تغيير بعض الأنظمة السياسية الدكتاتورية المهترئة التي تدور في فلك السياسة الأميركية بأنظمة موالية بقناع إسلامي، ومنذ ذلك الوقت يتواصل سعي روسيا للانخراط أكثر في الشرق الأوسط، فقد رأت أنّ الفرصة سانحة للدخول بعد الفراغ والفوضى اللذين أحدثتهما تلك الثورات، حيث أصبح بوتين وبالتالي روسيا ضيفاً شبه دائم على القمم والمؤتمرات التي تتعاطى مع تلك الأزمات، فمثلاً في قلب الأزمة السورية نجد بوتين حليفاً للرئيس السوري بشار الأسد، وبموجب هذا الحلف نراه ممسكاً بمفتاح الحلّ منذ تدخله العسكري في سورية عام 2015 وراعي مؤتمرات السلطة الحالية والمعارضة.
في المشهد الليبي نجد بصمات واضحة لبوتين حيث فرض نفسه على طاولة أيّ حوار لإنهاء ذلك الصراع فاتحاً قنوات اتصال مع أطراف الأزمة كافة. وثمة رغبة روسية أيضاً لتوسيع دور موسكو في تسوية الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” فهي عضو أساسي في الرباعية الدولية ولديها علاقات وطيدة مع طرفي النزاع، كما أنّ روسيا تحافظ على علاقات جيدة مع كلّ من إيران ودول الخليج في نفس الوقت وتقريباً على نفس المستوى الإستراتيجي حيث أعلنت موسكو استعدادها أكثر من مرة للوساطة بين طهران ودول الخليج بهدف تطبيع العلاقات بينهما.
كذلك تستخدم موسكو كافة الأدوات المتاحة لديها لترسيخ نفوذ عملي في المنطقة العربية وفي مقدمتها مبيعات الأسلحة الروسية إلى الشرق الأوسط والتي تقدر بملياري دولار سنوياً، كما أنّ حرص روسيا على إتمام صفقة “أس 400” لتركيا يُعتبر بوضوح اختراقاً لحلف الناتو.
فضلاً عن الترحيب الروسي المستمر والدائم لفتح مخازن أسلحتها لدول عربية عدة في الشرق الأوسط ومنها مصر والإمارات العربية والجزائر.
البراغماتية البوتينية ومصلحة روسيا الدائمة فوق كلّ اعتبار، وهي الأساس في علاقاتها الدولية فنراها تصادق “إسرائيل” وتستقبل رئيس وزرائها، وكذلك يزور بوتين الكيان الغاصب، ويتحالف مع سورية وأحياناً يلعب دور الوسيط بين الدولتين.
أما بالنسبة للبنان، فروسيا تريد أن تلعب دوراً مسهّلاً وموازياً للدور الفرنسي، ولروسيا مصلحة في أن يكون لبنان في وضع مستقرّ، وفي موضوع الجماعات الإرهابية هناك رغبة روسية بأن يكون لبنان متفوّقاً في هذا الموضوع.
لروسيا علاقات جيدة مع غالبية الأطراف اللبنانية التي تطلب زيارة موسكو وتنتظر دورها، وهي أي موسكو تلعب دور الوسيط بين مختلف تلك الأطراف، والآن نجد الموفدين الروس ورجال الأعمال يقومون بزيارات إلى لبنان لتفعيل التعاون وللاتفاق على البدء بتشغيل مصافي النفط وبناء معامل الكهرباء، فهي قرّرت الدخول إلى لبنان لأسباب جيوسياسية واستراتيجية وهي مستعدة لكلّ الخيارات، حتى في ظلّ الانقسام حول الموضوع السوري بين مؤيد ومعارض للدولة السورية بين اللبنانيين، بقيت روسيا على مسافة واحدة ما بين الطرفين، ما يمكنها من لعب دور فعال في حلّ الأزمات التي تعصف بلبنان.
ختاماً، فإنّ الروسي أعلن اهتمامه بلبنان في لحظة مفصلية لمتغيّرات تحصل بالمنطقة مرتبطة بمحادثات فيينا ومعركة سيف القدس والمحادثات السعودية الإيرانية الروسية والوضع اليمني والإنسحاب التدريجي الأميركي من منطقتنا…