هل ينجح الأميركيون في ضبط إيران؟
} د.وفيق إبراهيم
يتعامل الأميركيون مع إيران على اساس أنها ثلاث دول في آن معاً: الاولى هي الدولة المدنية المالكة لموارد أولية مفتوحة وقدرة على تأسيس دولة قابلة للتطور.
هناك دولة ثانية هي القادرة مع شيء من المقومات الدولية على أن تصبح دولة متمكنة تحول إمكاناتها المدنية إلى دولة منافسة لـ”اسرائيل” وبعض دول أوروبا.
تبقى الدولة الإيرانية الطامحة الى اقتناء قنبلة نووية تدفع الى مواقع الدول العظمى ذات الإمكانات النووية، يصادف هنا أن الأميركيين المنسحبين منذ عدة سنوات من الاتفاق الخماسي حول إيران المنوط بها ضبط التقدّم الإيراني النووي وكان انسحاباً أميركياً من اتفاقية 5 زائد واحداً لا قيمة له مطلقاً لانه لم يؤد الى غرضه بإرباك التطور الإيراني.
هنا بدا واضحاً أن الأميركيين يريدون الإمساك بدولتين إيرانيتين هما النووية ودولة التحالفات التي تربط بين لبنان والعراق وسورية، ولها في لبنان حزب الله المعروف عنه أنه شديد التمكن في جهاديته وتسلحه ويلعب دوراً أساسياً في النظام السياسي اللبناني والدفاع عن سورية والوقوف في وجه “اسرائيل”.
مفاوضات فيينا تذهب اذاً نحو الدولتين الإيرانيتين النووية ودولة النفوذ الإقليمي في المنطقة، وهذا يفيد الأميركيين لناحيتين: تسحب منها إمكاناتها النووية وسعيها الى بناء قنبلة لها هذه المواصفات. لكن الإيرانيين يؤكدون أنهم بعيدون عن إنتاج مثل هذه القنبلة لاعتبارات الدين الإسلامي الذي يمنعها عن التفكير بهذا المنحى. لذلك قد يكتفي الأميركيون بالدولة الإيرانية ذات التحالفات في المنطقة محاولين منعها من الاقتراب من الحلف الصيني – الروسي فتحالفاتها تربط بين روسيا وسورية عبر بحر قزوين وتجمع بين العراق وسورية ولبنان عبر حزب الله ولعل الاشتباكات الأميركية – الإيرانية في الحدود المشتركة بين البلدين أو في شرق الفرات حيث يدعم الأميركيون داعش والنصرة والمفاوضات السورية الأخرى، هذا بالإضافة الى كتل أكبر من الأكراد، هؤلاء جميعاً يعمل الأميركيون على تنظيمهم ضمن أطر قادرة على محاربة الجيش السوري ولعل هذه النتائج المرتقبة هي التي جعلت القوات الروسيّة تشجّع على قصفها مباشرة.
يتبين إذاً أن الأميركيين يعملون مباشرة على ضرب الإمكانات النووية الإيرانية والطاقة الصاروخيّة، لكن كل هذا لا ينفع لأن الأميركيين يجهدون لضرب النووي الإيراني، هل يكتفي الأميركيون بهذا الدور؟
يعمل الإيرانيون على التأسيس لحلف ثلاثي صيني – روسي – إيراني يجمع بين اقتصاد صيني قوي جداً وإمكانات سلاح روسي بوسعه منافسة الأميركيين مباشرة وتؤدي إيران دور الدولة التاريخيّة التي تنجح ببناء أدوار هامة جداً في جنوبي العراق ومناطق الحشد الشعبي وتدعم حزب الله اللبناني الذي يؤدي دوراً إقليمياً بين سورية وإيران ولبنان.
هناك أحلاف أكثر خطورة تثير رعب الأميركيين. وأولها مسألتان: نجاح إيران في الربط بين سورية والعراق وحزب الله مع إيران وهذا مدى خطير جداً يجعل المحور الأردني – المصري – العراقي ضعيفاً جداً، لكن أهميته أنه قادر على الدفع نحو ربط هذا الحلف الثلاثي بين السعودية و”اسرائيل” مباشرة.
اما المسألة الثانية الأكثر خطورة لجهة الاستراتيجية، فهي الدفع نحو تحالف ثلاثي عالمي هو الوحيد القادر على مساواة الحلف الأميركي – الاوروبي وربما تجاوزه.
ما هي أهميات هذا التحالف؟
يكفي أن الرئيس الصيني كشف منذ عدة أيام أن عصر الصين الضعيفة قد ولى الى غير رجعة، مقابل اختراقها عصر الصين القوية، وهذا يعني مقدرة اقتصادية لم تعد تحتاج الى ¾ القرن فقط كي تتساوى مع الإنتاج الاقتصادي الأميركي، لا بأس هنا من التأكيد أن الأميركيين مسرورون بتفوقهم الاقتصادي على اعتبار ان كل عامل أميركي يتقاضى عشرة اضعاف ما يكسبه الصيني، لكن هذا الأميركي نسي أن أسعار السلع في الصين أدنى من نظيرتها الأميركية بعشرة اضعاف على الأقل و15 ضعفاً من مثيلتها الأوروبية.
يكفي هنا أيضاً أن الناتو أصبح منظمة مخادعة ليس بينها من تحالفات فعلية، فما أن دخلت الشركات الاوروبية إيران حتى أمرها الأميركيون بالانسحاب مباشرة، وهذا ما كان علماً أن الإنتاج الاوروبي بحاجة الى اسواق الخليج وإيران كي يستقيم وضعه ولا يقبله الأميركيون مطلقاً.
لذلك يتضح أن الأميركيين يعملون على لجم الاندفاعة الصينية عبر ليّ أذرعتها في لبنان وسورية ومنعها من إعلان حلف ثلاثي صيني – روسي – إيراني.
هذا الحلف هو الوحيد القادر على التصدي للقطبية الأحادية الأميركية، لذلك فإن الأميركين لا يعملون لدرجة السماح بالإعلان عن هذا الثلاثي بل يحاولون تنفيسه عبر إيجاد نقاط تنافس عميقة بين هذه البلدان الثلاثة تؤدي الى استيلاد تناحر ثلاثي وليس اتفاقاً ثلاثياً.
يبدو هنا ان الأميركيين لم يخطأوا حول وجود نقاط تباين بين أطراف هذا الحلف، فإيران مثلاً تعتبر ان مداها المدرك للحدود على المتوسط مع لبنان عبر سورية وفلسطين المحتلة هو المدى المنطقي لحركتها التحالفية، هذا بالإضافة الى روسيا التي تعتبر ان بإمكان الاقتصاد الصينيّ التطور، لكن لا يمكنه من التوحد مع الاقتصاد الروسي. لماذا؟
تمتلك روسيا كل انواع الموارد الأولية والطاقة ومنصب الاولى في السلاح العالمي بما يعني ان حاجتها للصين مؤقتة وهي لإثارة الرعب الأميركي وهذا يعني المقدرة الروسية على عزلة داخلية تعيد بناء دورها الاقتصادي والتسليحي الكبير.
كذلك لجهة إيران، فهي بلد غني بالموارد والموقع التاريخي يحتاج الى الدعم الصيني في وجه محاولاته السيطرة على الحلف الثلاثي، لذلك يتوقع الخبراء أن يخسر الصينيون الدرجات العميقة من الحلف الثلاثيّ الذي يعملون عليه مكتفين بحلف سطحي يضيف الى النظام القطبي العالمي عضوين جديدين هما روسيا والصين مع استعداد طرف ثالث هو إيران لتوظيف نفوذهما السياسي والعسكري ووضعها في خدمة التعددية القطبية الجديدة؟ العالم اذاً يتجه نحو تعددية يخسر بها الأميركيون أدواراً واسعة لمصلحة تعددية عالمية تؤمن النفط والغاز.