بسبب الأزمة السورية «استغلالٌ خبيث» للنتائج الاجتماعية لتبدّل المناخ!
د. وفيق ابراهيم
عندما تتهمُ واحدةٌ من أعرقِ المجلات العلمية الأميركية «الجفاف» الذي ضرب سورية بين 2007 و2010 بأنه المسؤول عن أزمتها، فإنها تسدِّد ضربة قاتلة لمسلسل الاتهام الغربي والتركي والخليجي الذي يحمِّلُ نظام الرئيس الأسد أوزارها السياسية.
والمجلة هي «الأكاديميا الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية» التي قدمت «ذرائع شديدة العلمية» للتراجع الاقتصادي في سورية. لكن الاكتفاء بالتفسيرات الجامدة للأزمات من مهمة الدراسات ذات الطابع العلمي الصرف. وتفسيرها من اختصاص العلوم الاجتماعية والسياسية، باعتبار أن الجفاف يضرب مختلف البلدان متسبباً بتراجعات اقتصادية قوية. ومن النادر أن يؤدي إلى تدخل 87 دولة في شؤون بلد مصاب بالجفاف. ويتضح أن إمكانات مذهلة ذات طابع تكفيري جرى استغلالها في الروابط والجامعات الوهابية في المدينة المنورة بحسب جريدة اللوموند الشهرية الفرنسية وأربع أرياح الأرض من آسيا الوسطى إلى الأزهر والقيروان، هذه الجهود بحسب المصدر نفسه، نظمت 47 ألف كادر ديني وهابي في السعودية فقط من 167 جنسية. كما أنتجت عشرات آلاف الكادرات في بلدان أخرى منها سورية ومصر…
وتقول اللوموند ديبلوماتيك في عددها الشهري أن السعودية أنفقت في ثمانينات القرن الماضي أربعة مليارات دولار أميركي على مجاهدي طالبان والقاعدة في أفغانستان. فكم تراها دفعت حتى الآن للإرهاب في سورية؟ آخذاً في الاعتبار ارتفاع أسعار البترول حتى 115 دولاراً من التسعينات حتى أواخر 2013.
ومع التقدير الكامل لأبحاث المجلة الأميركية التي كشفت عن بعض المستور، يتوجب معاينة ما جاء في دراستها بعين ثاقبة. هناك مستوى مواليد سوري هو الأعلى من نوعه في العالم رفع عدد السكان من أربعة ملايين نسمة في الخمسينات إلى 22 مليوناً حالياً. كما أن انحباس الأمطار وارتفاع درجات الحرارة ضربا المواسم الزراعية في بلد معتمد على قطاع فلاحي لافت. الأمر الذي أدى إلى تراجعات اقتصادية مستمرة توقفت هذا العام بعد هطول المطر،
وما لا تعرفه المجلة أن تركيا بنت سدوداً على نهر الفرات فتسببت بزيادة مفاعيل الجفاف، فتوجه قسم كبير من السوريين في اتجاه المدن السورية والخليج للعمل. ولم تتمكن المدن الوطنية من توفير فرص واسعة لهم. أما في الخليج فقد وجدوا فرصاً على مستويين: العمل في الحدود الدنيا للكفاف واتجاه تنظيمات التكفيريين والإخوان المسلمين لتنظيمهم بالاستفادة من سوء الحال الاقتصادية هناك في بلدان الخليج انتظم سوريون في شللٍ تكفيرية وإرهابية كانت تقدم إيديولوجياتها على أساس أنها المؤدية إلى الجنة. لذلك فإن ما قالته المجلة الأميركية هو نصف الحقيقة. أما نصفها الآخر فله علاقة بمحاولات تركيا والخليج والغرب الأوروبي والأميركي لاستغلال الجفاف وسوء الأوضاع الاقتصادية بهدف اسقاط النظام السوري. فلو قامت هذه البلدان المتهمة بدعم الاقتصاد السوري لوفرت على نفسها التورط في أزمة أدت حتى الآن إلى تهجير البشر وتدمير الحجر وقتل الناس.
يتبين إذاً أن ما يجري هو مخطط يريد إسقاط سورية بأي ذريعة ولحاجات لا علاقة لها بالشعب السوري.
والعودة إلى المصادر المذكورة آنفاً، نكتشف أن إسقاط سورية لم يكن مطلباً تركياً وخليجياً فحسب، بل جسّد قراراً أميركياً ببناء فيديرالية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين من تركيا إلى سورية وقسم من العراق على أن تضمّ في مراحل لاحقة بلدان الخليج بكاملها ومصر واليمن. هذا هو المشروع الأميركي الذي استفاد من الجفاف من جهة، والإمكانات الاقتصادية المتواضعة لسورية، كي يحاول تنفيذ مشروع الإخوان بالعباءة الأميركية، مستغلاً حصار إيران وتعثر روسيا الاقتصادي، وحذر الصين من الصدام مع الغرب لأسباب اقتصادية فقط.
ويبدو أن أسوار دمشق وفّرت على هؤلاء الكثير من الجهود لأنها وبكل «تواضع الأقوياء» حطمت حتى الآن هجمات الإرهابيين والتكفيريين. وتواجه ببسالة تدخلاً «إسرائيلياً» وأردنياً عند حدودها الجنوبية وتركيا عند حدودها الشمالية وآخر من جهات الأنبار وبعض أنواع الأكراد من مناطقها الغربية والشرقية.
فهل تستطيع البلدان المتورطة مضاهاة سورية بما تفعله؟ هل بوسع آل سعود وحكام الخليج تحمل جزء بسيط مما تتكبده سورية قيادة وشعباً وجيشاً.
أما ما تتكهن به المجلة الأميركية من استمرار العنف الأهلي في بلاد الشام والعراق بسبب خطر تفاقم الجفاف فالإجابة عليه موجودة في ما يفتعله الغرب والخليج من حروب ضد دول هذه المنطقة تمنعها من التكامل الاقتصادي وتحلية مياه البحر والمحافظة على مصادر المياه العذبة والتكامل الزراعي.
والاستنتاج فإن الرد على الجفاف من جهة ومستغليه ومستثمريه من جهة ثانية لا يكون إلا باتحاد كونفيديرالي بين دول الهلال الخصيب على قاعدة التكامل الاقتصادي. أليس هذا هو الرد المناسب على المخططات «البشرية والمناخية».
إن نظاماً تمكن من صد اجتياحات «المغول الجدد»، لن يتورع عن الاستمرار في الدفاع عن كامل المشرق العربي.
والجفاف إلى زوال بهمم أبطال الجيش العربي السوري الذي يحقق النصر المؤزر في كل أنحاء البلاد وسط تراجع شعبي كبير في البيئات الحاضنة للشلل التركية والأردنية و«الإسرائيلية» هذه البيئات التي عادت لتوالي بشار الأسد زعيماً كبيراً يحمل في صدره بطولات حافظ الأسد.