«المال القذر» ودوره في سورية… حين «تهاوش» الذئاب على سورية
} د. حسن مرهج
في إطار المصالح والتكتيكات التي أطرت الحرب على سورية، كُشفت ولا تزال، خبايا تلك الحرب القذرة، التي شُنّت على سورية، بُغية تحييد الدور السوري عن تأثيره في القضايا الإقليمية، ولإخراج سورية، من دائرة الحسابات الجيو – استراتيجية، والتي مُهّد لها إبان غزو العراق عام 2003، خاصة أنّ زيارة كولن باول وزير الخارجية الأميركي الأسبق إلى سورية، والتي حملت مطالب متعدّدة من القيادة السورية، أبرزها وفي مقدمتها، الابتعاد عن إيران وحركات المقاومة في المنطقة، الأمر الذي قابلته دمشق برفض قاطع، ليبدأ برفضها مسار جديد هدفه تدمير سورية من الداخل، نظراً لاستحالة شنّ حرب مدمّرة على سورية، كـ الحرب التي شُنت على العراق، نظراً لارتباطات دمشق الإقليمية والدولية.
في مرحلة لاحقة، وبناءً على خطة أميركية مُحكمة، تغيّرت الوقائع السياسية في لبنان، خاصة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، واتهام سورية والمقاومة اللبنانية، بعملية الاغتيال، والتي كانت بمثابة علامة فارقة في سياق العلاقات اللبنانية السورية، وكذا في سياقات إقليمية ودولية، لجهة علاقة دمشق بمحيطها الإقليمي وعلاقاتها الدولية، لتبدأ بعد ذلك مرحلة خروج الجيش السوري من لبنان، الأمر الذي قرأته دمشق بتمعّن فائق الذكاء، خاصة أنه كان يُراد لدمشق رفض الخروج من لبنان، الأمر الذي ستكون له تداعيات جمّة، تتعلق بمستقبل سورية السياسي، لكن دمشق أحبطت كلّ هذه الخطط، ليتمّ الانتقال إلى خطة جديدة، تمثلت بما يُسمّى الربيع العربي، والذي استهدف الدول العربية بدايةً، لإنشاء نموذج يتناسب والدخول إلى سورية.
مع بداية الربيع العربي، وانتقاله في ما بعد إلى سورية، بدأت مرحلة جديدة عنوانها محاولة إسقاط النظام السياسي في دمشق، عبر أدوات داخلية، تتخذ من المطالب المُحقة والمشروعة، ستاراً لتدمير سورية من الداخل، وإرهاق الجيش السوري بحرب داخلية مع إرهابيّين استُقدموا خصيصاً من دول إقليمية، فضلاً عن موجات الإرهابيين التي تخطت الحدود الأوروبية، ووصلت إلى تركيا، لتدخل بعدها إلى الجغرافية السورية، تحت إشراف المخابرات الأميركية والتركية، فضلاً عن المخابرات السعودية والقطرية.
لم يقتصر دور أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية على تأمين عبور الإرهابيين إلى سورية، وعطفاً على التنسيق اللوجستي في ما بين هذه الأجهزة، تولت دول إقليمية مهمة إمداد الإرهابيين بالسلاح والمال، فقد كانت السعودية وكذا قطر والإمارات، شُركاء في تغذية الإرهابيين، ودُفعت أموال طائلة تحت مسمّيات متعددة، بُغية إسقاط النظام في دمشق، وتدمير المؤسسات السورية، تحت شعارات الحياة الكريمة والحرية السياسية.
لا بدّ من التذكير بأنّ العلاقات ما بين سورية وقطر والسعودية والإمارات، تميّزت بعمقها ما قبل عام ٢٠١١، لكن الرغبة الأميركية بتدمير سورية، فرضت على تلك الدول الخليجية، قطع علاقاتها مع دمشق، والدخول بشكل مباشر في الحرب على سورية، عبر دعم الإرهابيين بالمال والسلاح، وبعد اكتمال المشهد الإرهابي في سورية، وظهور التنظيمات الإرهابية في عموم الجغرافية السورية، وجدت قطر أنّ تنظيم القاعدة في سورية أكثر ملاءمة لأغراضها، في حين فضلت السعودية جيش الإسلام إلى جانب عصابات مسلحة أخرى تستخدم أسماء مختلفة، وكان هناك تفضيل لكلّ من قطر والنظام السعودي على إعطاء أسماء يغلب عليها الطابع المدني للجماعات المتمردة، لكن الخدعة لم تدم طويلًا، وبسرعة كبيرة سادت الأسماء الدينية والإسلامية المتعصّبة بشكل صارخ، لكن التمويل القطري والسعودي لم يكن شأناً مستقلًا، ففي وقت مبكر أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إلى أنّ عمليات نقل الأموال والأسلحة إلى سورية من الخليج حظيت بمباركة إدارة أوباما.
جراء الأموال القذرة التي وُظفت في سورية، كان من المتوقع أن يسقط النظام السياسي في دمشق بسرعة، ويأمل كل طرف في تثبيت نظامه الخاص، هذه المنافسة القاتلة لم تسر كما كان مخططا لها، وإشراك اللاعبين الإقليميين والدوليين في الصراع السوري أطالت الحرب ومعاناة السوريين.
وبعد أن تمكنت الدولة السورية من الانتصار بعناوين الحرب الكبرى الاي شُنت عليها، تشرذم الداعمين والمموّلين، وانسحبت غالبية الأطراف الإقليمية من سورية، لتبدأ مرحلة جديدة، عنوانها العودة إلى دمشق، لتبرز معطيات تؤكد بأنّ الأموال التي وُظفت في سورية، كانت تهدف فقط إلى إسقاط سورية، وهذا ما أكده وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني، في مقابلة مع قناة «الجزيرة»، حين وصف سورية بـ «الطريدة التي تهاوشت عليها دول عديدة لا سيما السعودية وقطر»، بعدها انشغلت السعودية وقطر بنزاعهما الخاص، بالإضافة إلى حرب اليمن، لكن سعادة الشعب السوري لم تكن أبداً أولوية لأيّ من النظامين القطري والسعودي، ولم تكن أولوية بالنسبة لأيّ من الأطراف الخارجية التي تدخلت في سورية، لتكتشف بعد ذلك السوريون الذين شاركوا في تدمير بلادهم، أنهم لم يكونوا سوى أدوات ودُمى تُحرك في أيّ وقت.
المنافسة بين السعودية وقطر في سورية وعليها، كانت عاملاً رئيساً في تدمير سورية، ومع هذا فإنّ المشاركة المميتة لكلا النظامين القطري والسعودي، كان لها دعم غربي كبير، ولم تكن بأية حال من الأحوال معزولة عن السياسات الغربية الطائشة في الشرق الأوسط ككلّ.
في المحصلة، سورية انتصرت سياسياً، وكشفت بانتصارها الكثير من الملفات الإقليمية والدولية لجهة حجم التدخل العسكري، وكذا المالي، ولا شك بأنّ تأثيرات تلك التدخلات يدفع ثمنها السوريين فقط، جراء تبعيات المال القذر الذي وُظف لينهش الجسد السوري، لكنهم فشلوا، واليوم يبحثون عن طرق توصلهم إلى دمشق.