حكاية يجب أن تُحفظ للأجيال
في تاريخ الحروب التي تخوضها الشعوب محطات تحفظها الأجيال لبطولات فردية او جماعية، او لحظات معبرة عن التفوّق الذي أبداه الشعب خلال الحرب، وفي حرب المقاومة التي حرّرت وحمت لبنان كثيرة هي المحطات المشابهة، لكن تبقى ثمة لحظة معبّرة برمزيّتها عن لحظة التفوّق التي حققتها المقاومة بصورة سلبت الألباب والعقول والقلوب، تمثلت بالمفاجأة التي نقلت على الهواء مباشرة، جامعة كلمات السيد حسن نصرالله كقائد للمقاومة مع انطلاق الصاروخ النوعي الذي أصاب المدمّرة «الإسرائيلية « ساعر التي كانت تقصف الضاحية الجنوبية لبيروت.
ساعر هي حكاية التقنية «الإسرائيلية» بامتياز، وتفجيرها هو التعبير الأشد وضوحاً عن إتقان المقاومة للإعداد للحرب والتخطيط لها وادخار المفاجآت القادرة على فرض تغيير مسارها، فقد كان تفوّق المقاومة في الحرب البرية أحد التوقعات التي ينتظرها مؤيدو المقاومة ويخشاه خصومها كما عدوها الذي خطط للحرب، لكن البحر كما الجو كان مسلماً باعتباره ميداناً لسطوة العدو الأحادية.
اللحظة النفسية التي جاء معها تفجير ساعر جمعت ذروة القلق لدى مؤيدي المقاومة بعد بدء الحرب والدمار الذي خلفته وراءها خلال يومين، بينما لم يتضح بعد حجم وفعالية رد المقاومة، ومع القلق كان الترقب في كل مستويات المتابعة في لبنان والمنطقة والعالم، فجاء الجمع الاستثنائي المبدع والمعقد، وربما غير القابل للتكرار، في ذروة الحرب يخرج السيد نصرالله على الهواء ويقول إن البارجة التي تقصف الضاحية وتدمّر المنازل على رؤوس ساكنيها انظروا اليها إنها في عرض البحر تحترق وعلى متنها عشرات الضباط والجنود والبحارة، وتنتقل الكاميرا لتنقل مشهد الصاروخ المنطلق بالتزامن مع كلمات السيد نصرالله ليبلغ المدمّرة ساعر ويصيبها.
في تلك اللحظة ورغم القصف البحري والجوي خرج سكان الضاحية الى الشرفات واسطح المنازل، وكثيرون قصدوا الشاطئ لرؤية مشهد احتراق البارجة، وكان فعل هذا الجمع المبدع خارقاً في صناعة الحرب المعنويّة والنفسية، فتيقن أهل المقاومة من نصر قادم لا محالة، وهم يستندون إلى مقاومة أعدت واستعدّت وخبأت الكثير من المفاجآت، وهذا ليس إلا أول الغيث، بينما على ضفة العدو فقد وقعت الصدمة من أعلى المستويات القيادية الى الجيش وصولاً للرأي العام، وبقي أثر هذه اللحظة حاضراً وحاكماً لكل مسار الحرب، ففي كل نقاش على شاشات قنوات الاحتلال كانت عبارة السيد نصرالله تتردّد، انظروا إليها أنها في عرض البحر تحترق، كتعبير عن مستوى الجهوزية والاستعداد والجدّية والقدرة على خوض الحرب العسكريّة وإتقان قواعد الحرب النفسيّة.
يجب أن نحفظ هذه الحكاية لأجيال قادمة، لأنها تختصر حكاية المقاومة التي صنعت العزة والنصر في مثل هذه الأيام ولا زالت تشكل مصدر الشعور بالأمان والحماية.