بين الاغتيال الحزبيّ ـ السياسيّ والاغتيال الفكريّ ـ العقائديّ!
كلود عطيّة _
في القراءة العلمية الموضوعيّة البعيدة عن فلسفة الانغماس في الحملات التحريضية من هنا، والاتهامية من هناك، كان لا بدّ من طرح إشكالية التضليل المعرفي والفكري والعقائدي ضمن مقاربة جديدة تتعلق بتبعية الأحرار للسجون الوهمية، وارتهان أبناء الحياة للغة الموت وتشويه أبناء المعرفة والعقيدة والنضال والصراع والمواجهة والشهادة لإرث المؤسّس في إلغاء مفهوم المؤسسية والمبادئ الأخلاقية من قاموس الممارسة الحزبيّة المختلفة عن مبادئ الأحزاب الكلاسيكية..
المؤسسات التي يأتي حكامها عن طريق الغدر والخيانة وتزوير الحقائق ومن ثم تشويهها.. لا يمكن أن تكون إلى جانب النظام والحق والخير والجمال.. كما أنها لا يمكن أن تكون قاعدة أساس يُبنى عليها اتفاقيات وتسويات ومعاهدات، وبالتالي لا يجوز حتى التعامل معها إلا من منطلق القوّة وعدم التهاون في فرض الشروط عليها، لكي تعيد حسابات وجودها أو حسابات مَن سمح لها أن تأتي إلى هذا الوجود.. فلغة التفاوض مع الضعفاء وهم في حالة استقواء قد تتطلب استراتيجية مختلفة أكثر دقة، حيث لا تطلق ولا تعتمد شعارات الوحدة والمحبة وعودة الروح إلى الجسد مع مَن يعبث بالدستور الذي يُعتبر القلب، وإنْ توقف فلا حصاد إلا للأموات، والانقسامات، والنزاعات
في مفهوم النزاع على السلطة في المؤسسات النهضويّة التي يعتنق أفرادها الأخلاق ديناً… لا تشرّع كلّ الوسائل في انتصار فريق على آخر.. حيث لا تقبل الأخلاق اعتماد الغدر والتزوير والتلاعب بالعملية الانتخابيّة التي من المفترض أن تكون ديمقراطية تمارس بحرية مطلقة دون ضغوط أو تصفيق لمن يرقص فوق مبدأ الوحدة والانتماء والقسم ويتلاعَب بمشاعر المناضلين…
هنا السلطة لا تكون إلا لمن اختار طريق سعاده بكلّ وضوح.. ولا تكون الطرق الأخرى إلا من أجل تحقيق الأهداف القوميّة.. هذه الأهداف التي لا تقتصر على الكيان اللبناني أو الشامي أو على فلسطين… وباقي الكيانات.. بل هي تطال بنبلها كلّ الأمة.. فإنْ تعذر العمل في كيان، نعمل في كيان آخر من أجل الاستمرارية والحياة.. ولا نقف وقفة المتفرّجين المذلولين على مداخل الحدود الوهمية، نضع الشروط ونراهن على مزيد من الإذلال.. اسمحوا لنا في الدخول.. أو لا نهضة ولا وحدة ولا اتفاق.. فلا يكون الانتصار إلا لأبواق متفلتة مريضة رخيصة.. تكتب من هنا.. وتصرخ في الإعلام من هناك.. وتتربّع عرش منابر الكذب والفتن والتملق والاتهامات.. فتشرّع الذلّ لأبناء الصراع وتشرّع لنفسها حقيقة وجودها في قبضة يد من أتى بها إلى السلطة…
في المقاربة التحليلية، لا بدّ من العودة إلى الاصطلاح السياسي للاغتيال (Political Assassination) ظاهرة استخدام العنف والتصفية الجسدية بحق شخصيات سياسية كأسلوب من أساليب العمل والصراع السياسي ضدّ الخصوم، بهدف خدمة اتجاه أو غرض سياسيّ. إلا أننا هنا، نطرح مفهوم الاغتيال الفكري والنضالي.. الأمر الذي يفترض الربط المنهجي بين الاغتيال السياسي/ الحزبي والاغتيال العقائدي.. فاغتيال الشخص الأقوى المترافق مع تشويه العقيدة واغتيالها في انتخابات 13 أيلول.. لم يكن محض صدفة بريئة عابرة.. وبالتالي لا يمكن أن تكون الإجابات على الأسئلة الإشكالية التي تتمحور حول الأسباب الكامنة وراء الخيانة جاهزة وسهلة.. ولا يمكن أن تكون الحلول لكلّ هذا الخراب الأخلاقيّ سهلة وبسيطة وغير معقدة.. وبالتالي لا يمكن العودة إلى بناء حوار للتلاقي بطريقة عشوائيّة.. فالمشكلة هنا، تتخطى حدود قاعدتين على خلاف في الشكل وهيكل البناء والحكم.. وفي اتفاق ضمني على جوهر العقيدة ووجود الحزب وامتداده وقوّته وضرورته…
كما أنها تخطت حدود الانقسامات القوميّة المتشخصنة.. لنراها تدخل في نفق اللعبة السياسية المظلم.. حيث لا يرى النور إلا مَن عرف حقيقة اللعبة.
أما اللعبة فلا يتقنها إلا الذين خطّطوا لها.. وهنا على كلّ القوميين دون استثناء، أن يدركوا ويتبصّروا خطر هذه اللعبة التي تهدف بكلّ تفاصيلها إلى ضرب الحزب القومي اللاطائفي، وإنهاء الفكر الذي كشف الحقائق وحذّر من المخاطر التي تحدق بشعبنا الآن.. وتحويل المؤسسة الحزبية العريقة إلى مجرد أداة بيد من يحكم بالقوة أو المال أو التجسّس أو السيطرة على الخارطة التي كلفت الحزب آلاف الشهداء…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ