معضلة الاتفاق النووي.. مباحثات ومسار بلا معالم
} أمجد إسماعيل الآغا
مبهمة هي مباحثات فيينا، على الرغم من أن مسار المباحثات، يسير وعلى جانبيه تصريحات أوروبية وأميركية وإيرانية، لكنها دائماً ما تأتي في إطار الرغبات بتذليل العوائق، دون إيضاحات لـ ماهية تلك العوائق، وكيفية تجاوزها للوصول إلى اتفاق نووي جديد، لكن في المقابل، فإن مباحثات فيينا تهدف صراحة إلى عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، وكذا عودة طهران، مع جزئية إيرانية تتمحور حول رفض إيران تضمين الاتفاق مع واشنطن، ملفات نشاطها الإقليمي، وتطوير الصواريخ الباليستية؛ كل ذلك تزامن مع نجاح إبراهيم رئيسي في الانتخابات الإيرانية، ليتم اختصار مشهد المباحثات في فيينا، ضمن جزئيتي نجاح إحياء الاتفاق النووي في عهد رئيسي، والضغوط الأميركية التي تعمل في أطر تضمين الاتفاق الجديد ملفات شرق أوسطية متعددة.
معطيات عديدة تؤكد بأنّ انتخاب رئيسي، لن يؤثر على سير المفاوضات في فيينا؛ إذ أعلن رئيسي خلال المناظرة الثالثة إبان الانتخابات الرئاسية في إيران، نيته الالتزام بالاتفاق النووي، في حال تمّ التوصل إليه، ولكن وفق شروط المرشد الإيراني علي خامنئي، وليس بطريقة حكومة روحاني الخاطئة برأيه، واستبعد أن تجرى المناقشات حول دور إيران الإقليمي وصواريخها كجزء من المحادثات ووصفها بأنها «غير قابلة للتفاوض».
معطيات أخرى تؤكد عزم إيران على إعادة إحياء الاتفاق النووي، ترجمت عبر موافقة المرشد الإيراني علي خامنئي، على خوض مباحثات فيينا، الأمر الذي يُعدّ مؤشراً هاماً على نوايا طهران، لجهة العودة إلى الاتفاق، وفي ذات الإطار، فإنّ إيران بدأت بزيادة الإنتاج النفطي، وذلك استعداداً لرفع العقوبات الأميركية، والبدء بتصدير النفط، إذ سيحقق إتمام الاتفاق النووي مكاسب سياسية واقتصادية لإيران، وللتيار المتشدّد المسيطر حالياً على مقاليد السلطة فيها.
في جانب موازٍ، وعلى الرغم من أن الأجواء الإيجابية تظلل مناخ المباحثات في فيينا، لكن حتى الآن لم تتضح معالم أي اتفاق مقبل بين إيران وواشنطن، أو زمن إعادة تفعيله، لكن ما يمكن استنباطه من خلال مسار المباحثات على مدى الأشهر الماضية، يأتي في إطار تراجع الرئيس الأميركي جو بايدن عن إجبار إيران على عقد اتفاق واسع يشمل ملفات أخرى غير البرنامج النووي، حيث اعتبر بايدن أنّ التهديد الرئيس هو إمكان تطوير إيران سلاحاً نووياً، كلما استمرت في التخلي عن التزامها الاتفاق النووي لعام 2015، في مقابل ذلك، ثمة شروط إيرانية للموافقة على الشروط الأميركية، ترتكز على رفع العقوبات المفروضة على قطاعات النفط والطاقة والمال، وربما رفعها أيضاً عن بعض الشخصيات الإيرانية ومنها الرئيس الجديد، كما تريد إيران من الولايات المتحدة تقديم ضمان بأنها لن تتراجع مرة أخرى عن الاتفاق، وبالتالي تريد ضماناً باستمرار الاتفاق وعدم العودة إلى فرض العقوبات عليها مرة أخرى، فالانسحاب من الاتفاق مرة أخرى، ما زال يشكّل مصدر قلق كبير لإيران.
ربطاً بما سبق، فإن تقديم ضمانات من الجانب الأميركي تبدد الهواجس الإيرانية، يعد معضلة بالنسبة إلى إدارة بايدن، الأمر الذي يعني أن الولايات المتحدة ستحتاج إلى التصديق على الاتفاقية النووية الإيرانية، كمعاهدة في مجلس الشيوخ، الذي يضم كتلة جمهورية وازنة، وبالتالي فإنّ ذلك تحدياً آخر لإدارة بايدن الذي يحاول تأطير الاتفاق مع إيران على الملف النووي، في حين يريد الجمهوريون في الكونغرس مراجعة أي اتفاق مع إيران، وفقاً لقانون مراجعة الاتفاقية النووية الذي صدر في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، لكن إدارة بايدن تجادل بأن مجرد العودة إلى الاتفاق لا تقتضي مراجعته وفق القانون المذكور، وهذه ستكون أهمّ المعضلات أمام العودة إلى الاتفاق من جهة الداخل الأميركي.
أما في ما يخص الملفات الأخرى، فيبدو أن بايدن سمح بمسار آخر في حال لم يتمّ تضمين ملفات متعددة في اتفاق أوسع وأشمل، فخلال اجتماعه مع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، لمّح الرئيس الأميركي بالضربات الجوية التي استهدفت المواقع التي تستخدمها إيران في سورية، والمسؤولة وفق المنظور الأميركي، عن الهجمات على القوات الأميركية في العراق. وهو ما يوحي بتلويح بايدن باستخدام الأداة العسكرية ضد إيران في سورية والعراق.
كما سبق، من الممكن أن تسمح إدارة بايدن لـ «إسرائيل» بحرية الحركة، في ما يخص الأهداف الإيرانية، الأمر الذي ترجمه رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الجديد، نفتالي بينيت، حين قال إنّ «إسرائيل ستدافع عن نفسها ضدّ أيّ تهديد حتى لو بمفردها». من جهة أخرى، قد تعمل واشنطن على استخدام كل الأدوات المتاحة لمواجهة الأنشطة الإيرانية في المنطقة، والتي تراها واشنطن مزعزعة للاستقرار، لكن المعضلة هنا هي أنه يجب على الولايات المتحدة وضع أطر وضوابط تتعلق بآلية محاربة طهران في المنطقة، بما لا يؤسس لحرب إقليمية واسعة.
«إسرائيل» أبدت مخاوفها من أي اتفاق نووي مقبل مع إيران، لا سيما أن مسؤولين إسرائيليين كثر اجتمعوا بالمسؤولين الأميركيين، من أجل منع إدارة بادين من العودة إلى الاتفاق، أو وضع اتفاق جديد يراعي الهواجس الأمنية «الإسرائيلية»، وستحاول «إسرائيل» الاستفادة من هذا السياق وطلب مكاسب إضافية من الولايات المتحدة في المقابل، وهنا يمكن أن يزداد التنسيق والتعاون العسكري بين تل أبيب وواشنطن، كما ستسهّل الولايات المتحدة ترتيبات الأمن الإقليمي، فضلاً عن زيادة التعاون الاستخباراتي والعسكري والمالي لإضافة مزيد من بطاريات الدفاع الصاروخي ضد الصواريخ الإيرانية، أي أنّ «إسرائيل» ستحاول تعزيز وضعها الاستراتيجي والدفاعي.
المعضلة الأساسية والتي تؤطر مسار المباحثات في فيينا، وربما توقفها، استمرار استهداف القوات الأميركية في العراق وسورية، والرد الأميركي على جملة الاستهدافات لقواتها، وفي ذات السياق، تحدثت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن أن إيران أخبرتها بنيتها تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة لإنتاج وقود نووي لمفاعل بحثي، وهذه الخطوة لاقت تنديداً من وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ذلك أنها لا تتماشى مع مسار مباحثات فيينا وتوحي بتعنت إيراني، كما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية أخيراً أن طهران طلبت وقف مباحثات فيينا لحاجتها إلى وقت للتشاور داخلياً قبل بدء الجولة الأخيرة.
هذا الموقف الإيراني يوحي برغبة في تجميد المباحثات مؤقتاً، قبيل الجولة السابعة والأخيرة، التي كان متوقعاً لها أن تنطلق في الأول من تموز الحالي، وبالتوازي تم استهداف القوات الأميركية في العراق، وهذا يعني أن إيران أرادت إيصال رسائل للولايات المتحدة، بأن لها تأثيراً في الأوضاع العراقية، لذا فقد تكون الإستراتيجية الإيرانية، تستهدف الضغط على واشنطن والأطراف الغربية، لا سيما أنّ طهران اشترطت الحصول على ضمانات من الولايات المتحدة بأنها لن تنسحب مطلقاً من الاتفاق، وهو أمر يعد معقداً وفقاً لديناميات السياسة الداخلية الأميركية.
يبدو واضحاً، أنّ إيران تريد ضغطاً من الولايات المتحدة على إسرائيل، لوقف الهجمات على الأهداف الإيرانية في الداخل والخارج، وفي مجمل الأمر، تريد إيران إعادة إحياء الاتفاق، وكذا واشنطن، لكن تحاول واشنطن ومعها القوى الغربية، أن تفهم إيران، أنها مهما ماطلت ومهما كانت الرغبة الأميركية في تخفيف الانخراط في الشرق الأوسط، إلا أنها تتعامل مع القوى العظمى التي لا تملك أدوات القوة بكل صورها فحسب، بل كذلك أدوات الضغط والعقوبات، كما أنّ ما تراه واشنطن استفزازات إيرانية، قد تفقدها تعاطف الأطراف الأخرى التي كانت تتعاطف معها أمام التعنت الأميركي؛ وبالتالي ثمة معضلات غاية في التشابك والتعقيد، الأمر الذي يجعل من اجتماعات فيينا، مباحثات ومسار بلا معالم.