قرارات سعيّد في تونس تتصاعد وسط ردود فعل الأحزاب السياسيّة والردود الدوليّة
أصدر الرئيس التونسي، قيس سعيّد، أمس، أمراً رئاسياً بإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي ووزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان.
كما تقرّر، بمقتضى الأمر ذاته، أن يتولى الكتّاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية برئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد وأعضاء جدد فيها.
وقرّر الرئيس التونسي خلال اجتماع طارئ للقيادات العسكرية والأمنية أول أمس، إعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه. وقرّر أيضاً تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب.
فيما أفادت وكالة «رويترز» نقلاً عن مصادر أمنية بأن «الرئيس التونسي قيس سعيّد كلف خالد اليحياوي، المدير العام لوحدة الأمن الرئاسي، بالإشراف على وزارة الداخلية بعد إقالة الحكومة، أول أمس الأحد».
كذلك نقلت الوكالة عن مصدر وصفته بالمقرب من رئيس الوزراء التونسي المعزول هشام المشيشي، ومصدرين أمنيين، أمس، أن «المشيشي في منزله وليس رهن الاعتقال»، بعد أن أقاله الرئيس قيس سعيّد وجمد نشاط البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، أول أمس الأحد.
ردود فعل الأحزاب السياسيّة على القرار
من جهة أخرى، علقت أحزاب سياسية تونسية على قرار الرئيس التونسي.
حيث حمّل التيار الديمقراطي في تونس «الائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة وحكومة المشيشي مسؤولية الأزمة».
ولفت التيار الديمقراطي إلى أنه «يختلف مع تأويل الرئيس للفصل الـ80 من الدستور»، رافضاً ما يترتب على تأويله لهذا الفصل من قرارات وإجراءات خارج الدستور.
وأعلنت عضو البرلمان التونسي عن التيار الديمقراطي سامية عبّو تأييدها قرارات سعيّد، مؤكّدة أنها «دستورية وتمثّل المسار الصحيح لاسترجاع الدولة».
بدورها، قالت كتلة «قلب تونس»، أمس، إن «القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد تعتبر خرقاً للدستور ورجوعاً بالجمهورية إلى الحكم الفردي».
ودعا الحزب «مجلس نواب الشعب إلى الانعقاد فوراً»، كما دعا رئيس الحكومة إلى «تولي مهامه الشرعية وتفادي إحداث فراغ في مؤسسة رئاسة الحكومة». كذلك، دعا كل «القوى الوطنية إلى الالتفاف حول المصلحة الوطنية والتمسك بالمؤسسات، في إطار مفهوم الحوار والتضامن والوحدة الوطنية».
وأصدر الاتحاد العام التونسي للشغل بياناً بشأن التطورات التي تشهدها تونس، داعياً إلى «وجوب إرفاق التدابير الاستثنائية التي اتخذها سعيّد بجملة من الضمانات الدستورية».
وأكد الاتحاد العام حرصه على «ضرورة التمسّك بالشرعية الدستورية في أي إجراء يُتخذ»، مشيراً إلى «ضرورة ضبط أهداف التدابير الاستثنائية بعيداً عن التوسع والاجتهاد».
كما رأى أنه «يجب تحديد مدة تطبيق الإجراءات الاستثنائية والإسراع بإنهائها كي لا تتحول إلى إجراء دائم»، داعياً إلى «ضمان احترام الحقوق والحريات».
وأكّد رفضه لجوء أيّ طرف إلى العنف أو إلى سياسة التشفي أو تصفية الحسابات، مشدداً على مراجعة التدابير الخاصة بالقضاء لضمان استقلاليته. وقال إن «الوقت حان لتحمل المسؤوليات وإنهاء هذه الحقبة التي وضعت تونس على صفيح من نار».
وأكد حزب «قلب تونس» أنّ «القرارات المتخذة تجمع كل السلطة في يد رئيس الجمهورية، وتعد رجوعاً بالجمهورية التونسية إلى الحكم الفردي».
من جهته، دعا عضو المكتب التنفيذي لحركة «النهضة» التونسية، رفيق عبد السلام، الشعب إلى مواجهة ما سمّاه «انقلاباً يقوده ديكتاتور لا شرعية له»، بحسب تعبيره.
وقال العضو في البرلمان التونسيّ والقياديّ في حركة «النهضة» محمد القوماني إنّ «البرلمان مدعوّ إلى الانعقاد اليوم بصورة طبيعية»، ووصف ما يجري في تونس بالانقلاب.
كما وصف رئيس حركة «ائتلاف الكرامة» التونسية سيف الدين مخلوف قرارات سعيد بـ»الانقلابية الفاشلة».
وقال نائب رئيس حركة «النهضة» علي العريض: «ضبطنا أنفسنا حتى لا نردّ على العنف بالعنف»، مؤكداً التعويل على مؤسسات الدولة، مشيراً إلى أنّ «التحركات التي حدثت انحرفت عن أولوية مواجهة وباء كورونا».
بدوره، قال حزب «العمال» التونسي إن الشعب بحاجة ماسة إلى تغيير عميق ينتشل البلاد من الأزمة الخانقة، معتبراً أن ما أقدم عليه رئيس الدولة خرق واضح للدستور.
في المقابل، أكد الناطق باسم «التيار الشعبي» في تونس محسن النابتي لـ«الميادين»، أن إجراءات الرئيس التونسي والاحتجاجات الشعبية خطوة مهمة، في حين حذّر القيادي في حركة «تحيا تونس» وليد جلّاد من أن يجد التونسيون أنفسهم أمام حكومتين وبمجلس نواب يعمل وآخر مجمّد، معتبراً أن الشارع التونسي ابتهج بإجراءات سعيّد، رغم تأخرها، على حد تعبيره.
يذكر أن الرئاسة أعلنت إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه، وتجميد عمل المجلس النيابي واختصاصاته لمدة 30 يوماً.
فيما لا تزال أعداد من المحتجين أمام مبنى البرلمان التونسي، على خلفية الأحداث الأخيرة التي تشهدها البلاد.
وكان الجيش التونسي قد منع في وقت سابق رئيس البرلمان راشد الغنوشي ونائبه وعدداً من النواب من دخول البرلمان، في وقت شهدت تونس انتشاراً مكثّفاً للجيش الذي طوّق المبنى.
وفيما أكدت مصادر منع جميع النواب والمسؤولين في الدولة من السفر بقرار من الرئيس سعيّد، اقتحم محتجّون عدداً من مقار حركة «النهضة» وأحرقوا محتوياتها.
ردود فعل دوليّة.. موسكو تتابع وأنقرة تدين!
في السياق نفسه، أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أمس، أن «الكرملين يتابع تطورات الوضع في تونس».
وفي تصريحات صحافية قال بيسكوف: «نتابع (الوضع) ونعول على ألا يهدد شيء الاستقرار وسلامة المواطنين في هذا البلد».
من جهتها أعلنت السفارة الروسية في تونس أنها «لا تملك معلومات عن حوادث توقيف مواطنين روس في البلاد بسبب اضطرابات النظام العام، كما أنها لم تتلق طلبات دعم قنصلي منهم على خلفية تفاقم الوضع السياسي في البلاد».
وفي بيان صحافي أشارت السفارة أيضاً إلى أن «الوضع في تونس لا يزال هادئاً بشكل عام»، مضيفة أنه «لم تسجل حتى الآن طلبات مساعدة طبية من قبل مواطنين روس مقيمين في تونس».
مع ذلك فقد نصحت السفارة المواطنين الروس باتخاذ «جميع الاحتياطات اللازمة، بما ذلك التخلي عن رحلات داخل البلاد وتجنب المكوث في أماكن مكتظة، بما فيها مراكز تجارية، والقيام بتخزين كمية من الطعام وماء الشرب والمواد الأساسية والامتناع عن تصوير عسكريين وعناصر أمن».
وشددت السفارة على أنها «تتابع عن كثب تطورات الوضع في البلاد».
من جهتها، أعربت الرئاسة التركية، أمس، عن استنكارها لـ» تعليق العملية الديمقراطية في تونس»، بعد قرار الرئيس التونسي، قيس سعيد، بتجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة.
وفي تغريدة عبر «تويتر»، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، تعليقاً على إعلان الرئيس التونسي، قيس سعيّد، تجميد اختصاصات البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه: «نرفض تعليق العملية الديمقراطية وتجاهل الإرادة الديمقراطية للشعب في تونس الصديقة والشقيقة».
وأضاف: «ندين المحاولات الفاقدة للشرعية الدستورية والدعم الشعبي، ونثق أن الديمقراطية التونسية ستخرج أقوى من هذا المسار».
وأدى انفجار الصراع السياسي واحتدام الاختلاف بين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة، الذي انعكس على الشارع التونسي، إلى اتخاذ الرئيس قيس سعيد تدابير استثنائية، منها تجميد عمل البرلمان وحل الحكومة، طبقا للفصل 80 من الدستور التونسي.