لماذا كُلّف ميقاتي بتشكيل الحكومة؟
العميد د. أمين محمد حطيط*
بعد تكليفين واعتذارين متتابعين استهلكا من الزمن ما لامس السنة تقريباً وبعد حقبة من الفراغ السياسي في ظلّ حكومة مارست تصريف الأعمال بالحدّ الأدنى من الأدنى الممكن، وبضغط دولي غربي وإقليمي وتسليم محلي، تمّ تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة اللبنانية للمرة الثالثة منذ العام 2005، تكليف يُقرأ في ظلّ المشهد اللبناني وما أبعد منه بذهنية خاصة واستفسارية، وهو تكليف يستوجب طرح السؤال الكبير حول كيفية إنجازه وحول قدرة الشخص المكلف على تشكيل حكومة، ثم قدرة الحكومة تلك على ممارسة الحكم بالشكل الذي يخرج لبنان من سحيق ما يتخبّط به من انهيار عام خاصة الانهيار النقدي والاقتصادي والمعيشي فضلاً عن الفراغ السياسي، ويعيده إلى حدّ ما إلى مدار الحركة الطبيعية أو على الأقلّ يضعه على بداية هذا المدار الذي يؤمّن فيها للمواطن احتياجاته المعيشية بالحدّ الأدنى.
وهنا يُطرح السؤال الكبير ربطاً بتاريخ الرئيس المكلّف وممارسته وأدائه في الحكم، حيث إنّ ماضيه وتاريخه لا يتضمّن ما يشجع على الثقة بقدرته على تقديم ما يطمئن إليه وطنياً من شتى الجوانب، أو ما يشجّع على دعمه لتمكينه من النجاح في معالجة الوضع الراهن أو ما يوحي بأنّ البلاد في ظلّ حكومته ستخرج من دائرة الظلمة والظلام والجوع إلى ما يؤمّن لها الحدّ الأدنى من متطلبات العيش الآمن، ومع هذا فإنّ الحالة الدولية المتشكلة دعماً له، تثير علامات استفهام وأسئلة متناقضة توجب التوقف عندها. خاصة أنّ الرجل كان واضحاً بأنه ما كان ليقدِم على هذه الخطوة لولا الضمانات الخارجية، وعليه نطرح الأسئلة كالتالي:
ففي سؤال أول وعطفاً على حماس أميركا من أجل تنصيب نجيب ميقاتي رئيساً لحكومة لبنان بعد سنتين ونصف السنة تقريباً من إطلاق خطة بومبيو لتدمير لبنان، نسأل هل أميركا تراجعت عن خطة بومبيو هذه وقرّرت العمل باتجاه آخر بدءاً بوضع حدّ للفراغ السياسي الذي بدأ في تشرين الأوّل 2019 مع استقالة سعد الحريري؟ وهل أيقنت أميركا بأنّ المرحلة الرابعة من تلك الخطة (الانفجار الأمنيّ) والمرحلة الخامسة منها (الاجتياح الإسرائيلي) باتتا في حكم شبه الاستحالة لتنفيذهما، وأن دون تحققهما الكثير من العوائق والصعوبات المانعة خاصة أنّ حزب الله نجح في تعطيل صواعق التفجير المتعدّدة التي جهزت بوجهه داخلياً، وأنّ الجيش اللبناني تمظهر بأدائه بشكل أوحى للمخطط بأنّ تفجير الوضع الأمني في لبنان لن يكون في مصلحته ما جعله يتراجع؟ وألزم العدو الإسرائيلي بعدم شنّ العدوان على لبنان ومقاومته لأنّ هذا العدوان مشروط بالانفجار الأمني الذي لم ولن يحصل؟
وفي سؤال ثانٍ عطفاً على الأول، نقول هل أميركا التي أيقنت أنّ خطة بومبيو تعثرت لا بل انقلبت إلى إحداث مفاعيل عكسية بعد تعذّر تنفيذ المرحلتين الرابعة والخامسة منها، وأنّ عليها إعادة النظر بسياستها في لبنان، وأنّ عليها أن تتراجع عن سياسة الإرهاب والحرب الاقتصاديّة على لبنان وحصاره، خشية إفلات زمام الأمور من يدها كلياً في لبنان، وأنها في مسيرة التراجع تلك قرّرت السماح للعراق بتقديم مليون برميل من النفط من أجل تشغيل محطات الكهرباء في لبنان، لتكون التقديمات أوّل رسالة توحي بذاك التراجع؟
أما انه وفي سؤال ثالث أنّ أميركا ومع قرارها طرح اسم نجيب ميقاتي بعد اعتذار الحريري رغبت بإحداث انقسام سني شيعي عليه يكون مقدمة للتفجير الأمني المتوخى في خطة بومبيو تمهيداً لتنفيذ المرحلة الخامسة منها، ما يفسّر تكاثر الكلام «الإسرائيلي» عن قرب «الحرب الثالثة» مع لبنان أو قول خبراء إسرائيليين «إن مسألتها مسألة وقت فقط»، باعتبار أنّ التفجير الأمني واقع لا محالة خاصة بعد أن نجحت خطوات الفراغ السياسي والانهيار النقدي والانهيار الاقتصادي، ما دفع إلى تجويع اللبنانيين وحرمانهم من أبسط متطلبات العيش الكريم بما في ذلك الغذاء والدواء والكهرباء ومصادر الطاقة الأخرى.
وفي سؤال رابع نقول هل أميركا رأت أنّ ما قامت به من حصار وتجويع قد حقّق أهدافه وطوّع الشخصية اللبنانية الممانعة والمقاومة ومكّن أميركا من تعيين من يشهد تاريخه على العمل ضدّ المقاومة وصاحب نظرية النأي بالنفس وما يتصل بالحرب الكونية على سورية من إجراءات لم تكن في مصلحة النظام السوري، رأت ذلك وشاءت أن تسارع إلى الاستثمار عبر تشكيل حكومة تقصي الأكثرية النيابية عن الحكم تحت عنوان «حكومة الاختصاصيين» وتنفذ السياسة الغربية الموضوعة للبنان، ومن أجل ذلك منحت للرجل الضمانات الخارجية التي تحدث عنها وجعلته يقدِم على مهمته التي ستشمل أيضاً إجراء انتخابات يعوّل عليها لتشكيل أكثرية نيابية ذات اتجاهات معاكسة للأكثرية القائمة؟
وفي سؤال خامس وتوافقاً مع ما تقدّم ويدور حول موقف المقاومة من شخص ترتسم عليه علامات الاستفهام الكبرى التي تشكل صورته السلبية ضدّ المقاومة ومحورها وانقلابه عليها، ففيه هل المقاومة أذعنت وسلمت بالأمر وقبلت بمثل هذه الشخصية عجزاً منها أم لسبب آخر؟
هنا قد يكون الردّ من باب الأمن وحاجة المواطن المعيشية ويتضمّن القول بأنّ المقاومة ترى أنّ الوضع يفرض وجود حكومة تعمل وأن تشكيل حكومة أفضل من انعدامها وان عودة العمل إلى دولاب الحكم يوقف الفراغ السياسي وهي مطمئنة إلى أنها بما تملك من وسائل وإمكانات الدفاع عن النفس والحقوق قادرة على إبعاد القلق عنها خاصة وأنّ سيرها بمثل هذا التكليف يمنع فتنة بين السنة والشيعة، وهو أوْلى بالاعتبار والتمسك من أيّ شيء آخر وبه يتمّ إقفال مسارب الخطر داخل الطائفة الشيعية، وهو أوْلى من الاهتمام بمنافع ومكاسب أخرى أيّ بمعنى معمّق أنّ «درء المفاسد يتقدّم على جلب المنافع« فتقدم على ذلك مع علمها بأنّ أحلام الإصلاح ومعالجة الفساد بدءاً بالتدقيق الجنائي وما يلحق به أمر لن يتحقق ولا يظنّ أنّ أحداً ينتظر من حكومة ميقاتي السير به فالمرء العاقل لا يعمل ضدّ نفسه.
هذا بعض ما قد يقدّم في تفسير تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة، فهل سيتبع التأليف التكليف بالسهولة ذاتها عبر صرف الضمانات الخارجية على طاولة التأليف؟ أم أنّ الأطراف المعنيين نالوا ما يشتهون في التكليف ولم تبقَ لديهم حاجة إلى تأليف يخشون منه ويأتي على حساب خططهم وحساباتهم ومصالحهم؟
الرئيس المكلف ألزم نفسه كما نقل عنه بشهر للتأليف أو يعتذر، واعتقد أنّ هذا الشهر كافٍ لاتضاح خطوط المشهد الإقليمي دولياً ونتائج ما يدور الآن من مفاوضات بين دول الإقليم وبينها وبين أميركا ولذلك يمكن القول بأنّ ميقاتي قد يشكل حكومة تدير الأزمة حتى الانتخابات، أو قد يعتذر، وعندها تستمرّ حكومة حسان دياب بالحكم مع تخفيف القيود الأميركية عليها؟