الواقع التونسي الجديد… ضرورات سياسية
} د. حسن مرهج
يتابع الجميع التطورات في تونس، والتي ألقت بظلالها على اهتمامات المحللين وقراءاتهم، خاصة أنّ تونس وما تمثله من رمزية ارتبط أسمها بما يسمّى الربيع العربي، قد أسّست لنموذج في الديمقراطية، ولرغبات الشعوب؛ في المقابل، فإنّ تطورات الأزمة السياسية الجارية في تونس، تلقي بالمزيد من المسؤولية على كافة الأطراف التونسية، لتغليب صوت الحكمة، والعمل على إعلاء مصلحة الشعب التونسي، وتجنب التصعيد وتداعياته على مسيرة تونس الديمقراطية وتجربتها، التي نالت الاحترام في المحيطين الإقليمي والدولي.
تباينات في المواقف واختلاف في الآراء، وسمت عموم المشهد التونسي، خاصة أنّ التطورات والقرارات الجديدة وتداعياتها في ظلّ ما تعيشه تونس، من أزمة اقتصادية ومالية خانقة عمّقها انتشار جائحة كورونا، يفرض قراءة معمّقة ومتأنية تجاه التطورات التونسية، وعليه يمكن القول، إنّ الأزمة السياسية الحالية في تونس ليست وليدة اللحظة، إنما هي انعكاس لحالة من السخط الشعبي، والتراكمات التي فرضها فشل إدارة حركة النهضة للبلاد منذ عام 2011 وحتى الآن، في كافة الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
بناء على ما سبق، يمكن رصد العديد من التطورات، والتي أفرزت جملة قرارات اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد، والتي جاءت ضمن إطار الضرورات السياسية لإنقاذ الديمقراطية في تونس، وأول ما يمكن رصده، هو أزمة الدستور الذي أقر عام 2014، إذ يرى العديد من المتابعين للشأن التونسي، أنّ أحد أهمّ أسباب الأزمة الحالية، جاء كنتيجة مباشرة لدستور 2014، الذي تضمّن إشكاليات قلصت من قدرة مؤسسات الدولة على مواجهة الأزمات العديدة، التي تصاعدت حدتها في الأعوام السبعة الأخيرة، وهو بدا جلياً في أزمة انتشار فيروس كوفيد ـ 19. ووفقاً لذلك، فقد أدى ما يسمى بـ الدستور الهجين، الذي دافعت عنه حركة النهضة لتعزيز نفوذها وسيطرتها، والذي يجمع بين النظامين الرئاسي والبرلماني، إلى تصاعد الخلافات حول الصلاحيات بين رئيس الجمهورية المنتخب ورئيس الحكومة المعيّن، ومن هنا، دعا الرئيس سعيّد، في مناسبات عديدة، إلى ضرورة تعديل الدستور، الذي وصفه بأنه يتضمّن «أقفالاً عديدة».
في جانب آخر، فقد تصاعدت في الآونة الأخيرة الأصوات المطالبة بوضع حدّ لسياسات حركة النهضة، خاصة أنّ القرارات والسياسات التي تتبناها حركة النهضة، والتي تسعى بموجبها إلى تكريس سيطرتها على المشهد السياسي في تونس، إلى استقطاب قوى وأطراف عديدة مناوئة لها في القطاعات المختلفة، وذلك في ضوء اعتبارات عديدة، تتمثل في الانتقادات الموجهة للحركة بتهمة إفساد المسار الديمقراطي واستغلال المؤسسة القضائية للتستر على ملفات التقاضي في عدد من الملفات المهمة ذات الصلة الوثيقة بقيادتها، والتي على رأسها ملفات اغتيال زعماء المعارضة السياسية وفي مقدمتهم شكري بلعيد ومحمد البراهمي وغيرهم.
يتوازى مع ما سبق، حالة عدم الاستقرار الداخلي في حركة النهضة، بسبب موجة الاستقالات التي تشهدها، وما أسفر عنها من انقسامات، وهو ما أثر بطبيعة الحال على تماسكها، وبالتالي على استقرار الحكومة، وفاعلية أداءها، ولعل أبرز ما يبرهن على حالة السخط الشعبي ضدّ الحركة هو ما شهده الجنوب التونسي من تظاهرات واسعة على معاقل ومقرات الحزب رغم أنه لطالما اعتبرت الحركة الجنوب أهم معاقلها الرئيسية.
ختاماً، يمكن القول إنّ القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد تهدف إلى معالجة الأزمة البنيوية التي يعاني منها النظام السياسي التونسي خلال المرحلة المقبلة، إلا أنّ تأثيرها على تطورات المشهد السياسي في تونس سوف تعتمد على متغيّرات مهمة يتمثل أبرزها في المواقف التي سوف تتخذها القوى السياسية والأطراف الأخرى من الأزمة الحالية التي تبقى مفتوحة على أكثر من مسار خلال المرحلة المقبلة.