تلاعب إدارة بايدن… بالإقليم!
د. جمال زهران*
من الواضح أنّ إدارة بايدن – خليفة ترامب المتغطرس، تعاني من الارتباك في التعامل مع الإقليم بوحداته المختلفة، وتعاني من التناقضات في اتخاذ القرارات عما اتخذته فور تولي بايدن في 20 يناير/ كانون الثاني 2021. ولهذا من المؤكد انعكاساته على أمن واستقرار الإقليم بما فيه الكيان الصهيوني، وتداعيات على الواقع والمستقبل في هذا الإقليم.
فمن تابع استقبال مصطفى الكاظمي ـ رئيس وزراء العراق ـ في أميركا، تمّت معاملته باعتبار دولة العراق تحت الاحتلال الأميركي، واعتبروه موظفاً عندهم، ولم يعامَل بروتوكولياً باعتباره رئيساً لحكومة دولة العراق المستقلة!! فلم يذهب ممثل لحكومة بايدن إلى المطار لاستقبال الكاظمي، ولم يسمح بإظهار ووضع علم دولة العراق، وتمّت المباحثات باعتباره موظفاً في إدارة الاحتلال!! وبهذا الاستقبال، فقد تمّت إهانته وإهانة الدولة العراقية شعباً وحكومة! وكان من المتوجب عليه حفاظاً على كرامة بلاده، وكرامته شخصياً باعتباره يمثل دولة العراق المستقلة، أن ينهي الزيارة ويقطعها ويعود إلى بلاده!! ولكن أياً من الحكام العرب الذين يتعرّض أغلبهم للإهانات من الدول الاستعمارية في مقدمتها أميركا ودول أوروبا، يكون له ردّ فعل في هذا السياق؟! لذلك فإنّ التفريط في شيء، يؤدّي إلى المزيد من التفريط!!
وتفسيري لهذا الموقف، رغم أنّ إدارة بايدن هي التي دعت رئيس وزراء العراق (د. الكاظمي)، باعتباره أول مسؤول عربي كبير يلتقي بالرئيس بايدن، بعد توليه الرئاسة في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، وكان محلّ احتفاء وترحيب، وفجأة تحوّل هذا المسوول إلى موظف كبير في إدارة الاحتلال، وليس باعتباره ممثلاً لدولة العراق العربية، أنه قام بتوقيع عقد توريد البترول والغاز لستة أشهر مقبلة مع دولة لبنان، لإنقاذه من الظلام المتوقع وهو موقف عروبي، لم تتجاسر عليه أيّ دولة خليجية منتجة للبترول والغاز، وذلك قبل زيارته مباشرة ليصبح أمراً واقعاً. فما كان من إدارة بايدن، إلا معاقبة رئيس وزراء العراق، واعتباره مارقاً وخارجاً عن التعليمات الأميركية بمحاصرة لبنان وسورية وإحكام خنقهما وخنق شعبهما! وبالتالي لا بدّ من إهانته، كما حدث، الأمر الذي يستدعي ردّ فعل عراقي كبير، على مستوى الدولة حكومة وبرلماناً وشعباً، إن كان هناك بقية من كرامة في مواجهة دولة الغطرسة الأميركية!
لكن اللافت للنظر، أنّ إدارة بايدن التي تعاني من «الاضطراب والتناقض»، في القول والفعل، أعلنت عن انسحابها الكامل من العراق، قبل زيارة الكاظمي في إطار إعادة انتشار أو تموضع لقواتها في الإقليم، إلا أنه عقب إتمام الزيارة، أعلنت إدارة بايدن تراجعها عن ذلك الانسحاب، والإبقاء على قواتها في العراق، وأيضاً سورية! ومن ثم يتضح أنّ إدارة بايدن تصرّ على التلاعب بالإقليم خاصة سورية والعراق، ووضعهما تحت الضغط المتواصل. ولو لاحظنا منذ عدوان «بوش الابن المجرم»، الذي قام بالعدوان على العراق الشقيق في مارس/ آذار 2003، واحتلاله في 9 أبريل/ نيسان 2003 رسمياً، لتبدأ المقاومة العراقية عملها ضدّ القوات الأميركية فوراً. وقد كان من نتاج ذلك، إجبار الولايات المتحدة على الانسحاب والخروج الكامل من العراق في عام 2011، بتوقيع اتفاقية بعنوان (اتفاق الإطار الاستراتيجي)، إلا أنها عادت مرة أخرى في عام 2014 في عهد أوباما أيضاً، تحت غطاء محاربة الإرهاب في العراق، إنما كان الغرض الأميركي هو حصار سورية، والتمكن من دخولها من بوابة الحدود العراقية والأكراد في الشمال!
على حين تمارس إدارة بايدن، الدور المتغطرس الذي كان يمارسه ترامب، في حصار إقليم الشام، بتوقيع قانون «قيصر»، ومعاقبة أي دولة لا تلتزم به، وحوّلت نفسها إلى حكومة عالمية تمارس جبروت قوّتها وغطرستها على دول العالم العصية على الطاعة الأميركية، متناسية أنّ الشعوب تعاني، بما يتعارض مع مبادئ الإنسانية، والسلام، وتختزن لديها الغضب الذي يعبّر عن نفسه، باستمرار المقاومة ضدّ أميركا وجنودها، المتغطرسة والتي تمارس إرهاباً دولياً منظماً ضدّ الدول والشعوب، بل هي خالقة لهذا الإرهاب المزعوم، حيث كانت إدارات أميركا المختلفة وراء تكوين ميليشياته، وتمويله، وقيادته عبر أجهزة مخابراتها والمخابرات الصهيونية التي هي فرع أصيل في المخابرات المركزية الأميركية، في ظلّ المشروع الأميركي الصهيوني الاستعماري!!
كما لاحظنا التهديد الأميركي بفرض المزيد من العقوبات الأميركية ضدّ لبنان، في حال وصول البترول والغاز الإيراني إلى موانئه، في إشارة إلى تفعيل حالة الصراع وزيادة حدتها، وزيادة حدة الأزمات داخل لبنان وإقليم الشام والعراق.
وعلى الجانب الآخر، فإنه يتردّد انسحاب قوات أميركية من قواعد عسكرية أميركية على أرض قطر، وتحديداً من قاعدتين، ونقلها إلى أماكن أخرى لم يعلن عنها!! والصحيح أن أميركا التي تعاني من مشاكل اقتصادية ضخمة خاصة بعد انتشار فيروس كورونا خلال العامين الماضيين، مما شجع إدارة بايدن على الانسحاب الأميركي من الإقليم، ودعم وكلائها للقيام بمهام جديدة لحماية المصالح الأميركية، وتوفير النفقات الضخمة. ولهذا الانسحاب مؤكداً آثاره وتداعياته المستقبلية على الإقليم ويحتاج لنقاش في ضوء قبول الاستراتيجية الأميركية تجاه الإقليم.
ولننظر بإمعان شديد في القرار النهائي بانسحاب كامل للقوات الأميركية، من أفغانستان بعد عشرين سنة احتلال (2001 – 2021)، وتكليف الدولة الحليفة والعميلة لأميركا (تركيا) للقيام بالمهام الأميركية والسيطرة على مطار كابول الدولي، وإدارته، في ظلّ تهديد المقاومة الأفغانية بقيادة «طالبان»، لتركيا وسيتمّ التعامل معها كقوة احتلال، ولهذا حديث آخر قادم!
المهم أنّ قراءة دقيقة لسياسة إدارة بايدن، تخلص إلى أنّ هذه الإدارة تعاني من الاضطراب والتناقض في سياساتها، بل وفي خطابها السياسي، مما يؤكد ضبابية الاستراتيجية الأميركية التي تتسم بالغموض، وهو الأمر الذي يشجع على المزيد من المقاومة ضدها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ