حالنا لا يزال كما هو!
أحمد أشقر
مضت أربع سنوات بعد الذكرى المئوية الأولى لصدور أول كتاب بالعربية عن الحركة الصهيونية. كان ذلك في العام 1911 عندما قدّم الكاتب الصحافي الذي سيُعرف في ما بعد بشيخ الصحافة الفلسطينية، نجيب نصّار، قراءته وتعليقه على الموسوعة الصهيونية التي صدرت في العامين 1905 – 1906 عن 600 من فقهاء ومثقفي ومفكري اليهود في العالم.
في الكتاب أو الكتيّب الذي نحن في صدده يقوم نصّار بتقديم أهمّ النقاط والمواضيع التي وردت في الموسوعة المذكورة: التعريف بالموسوعة ص 3-4 ، العودة والاعتقاد ص 4-5 ، العودة والتاريخ ص 5-7 ، ولادة الصهيونية الحديثة ص 7-12 ، نمو الحركة ص 13- 14 ، النزعات المضادّة لليهود ص 15- 17 ، هرتسل ص 18- 23 ، التعليم الحديث ص 23- 24 ، المؤتمرات الصهيونية ص 24- 32 ، استعمار العريش عام 1898 ص 33 ، الصهيونية في روسيا ص 33- 35 ، في غرب أفريقيا ص 35 ، المؤتمر الصهيوني الأول في فلسطين وموت هرتسل ومشروع العمل في فلسطين ص 33- 44 ، الاقتصاد والبنوك والتربية والجمعيات والفرق الصهيونية المختلفة ص 44- 57 . وتشكل هذه النقاط أو المواضيع مشتركة المبنى الفكري والسياسي والعملي للحركة الصهيونية. مما يدلّ على أنّ برامجها كانت علنيّة بالكامل وما على المعنيّ بالأمر إلا القراءة والتفكير والعمل. وهذا ما لم يقم به القائمون على مصير الأمة من مثقفين وسياسيين كما سنفهم من الملاحظات التي سطرها نصّار في كتابه قبل قرن بالتمام والكمال من الآن.
فقد تنبّه نصّار منذ البداية إلى أنّ المعرفة قوة ذلك الحقل الذي لا يزال مهملاً في حياتنا الثقافية – السياسية، حين قال: «دلتنا الأبحاث التي دارت في مجلس الأمة حول المسألة الصهيونية أنّ حقيقتها ما زالت مجهولة. وأنّ الذين يديرون دفة السياسة في الآستانة ليس لهم وقوف تام على أهمية الحركة الصهيونية رغم كلّ ما كتبناه نحن وغيرنا عنها. فبينما نحن نتوقع من مجلس الأمة أن يعيّن لجنة خصوصية يكل يوكل إليها دراسة تاريخ الصهيونيين والبحث في أغراضهم وسبر غور أهمية حركتهم وعلاقتها بحياة الدولة والأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذا بالصدر الأعظم حقي باشا يقول على منبر الأمة ليست الصهيونية سوى رواية وما القائمون بها إلا أفراداً متهوسون مهووسون … » ص 2-3 . نفهم من هذا أنّ القائمين على مصير وسلامة أمن البلاد الدولة العثمانية في حينه من مثقفين وسياسيين لم يعوا خطورة الصهيونية التي أسهمت إسهاماً كبيراً بهدم البلاد وتفتيتها! وإلى يومنا الراهن لا يوجد أي مركز قومي- علمي- رصين قادر على قراءة ودراسة الصهيونية دراسة قومية علمية.
قام نصّار بقراءة الموسوعة الصهيونية، بما قد يقود المثقفين والساسة والعوام إلى أهمّ النقاط التي وردت فيها، ومن بين ما يقوله:
«تبيّن من تقرير الإنسيكلوبيديا اليهودية الذي تقدم أنّ الصهيونية حركة عظيمة تشغل أفكار وقلوب عموم اليهود في أقطار العالم كلّه. وأنّ القائمين بتدبيرها هم أقدر رجال العالم وقد عرفوا كيف يوفقون بين الأميال الدينية والقومية … » ص 58 . أي أنه فهم منذ اللحظة الأولى الدور الذي لعبه الدين اليهودي في المشروع الصهيوني.
وعن موجة العداء لليهود يقول نصار: «الأنتيسيمتزم «ضد اليهود» فالأنتيسيمتزم هي نتيجة السيمتزم، ولولا ظهور اليهودية بين الشعب اليهودي لما ظهر مضادّها في أوروبا … . فمن يكفل لنا أنّ السيمتزم أو اليهودية التي ظهرت في قلب العالم المتمدّن واليهود بحالة الضعف لا تظهر بأجلى معانيها في الشرق مهد التعصّبات المذهبية وهم في طور القوة؟ إنها وربّي تظهر في كل حركة من حركات اليهود المستعمرين» ص 59 .
من مطالعاتنا لوثائق وكتب التاريخ المختلفة يتضح لنا أنّ العداء لليهود كان نتيجة تشكيل حركة يهودية إرهابية في روسيا تدعى «بني موشي/ أبناء موسى» على أيدي الأديب اليهودي «إحاد هعام» عام 1889 التي بدأت تحرّض اليهود ضدّ مواطنيهم.
يضيف نصار أيضاً بأنّ الصهيونية أنشأت منظمات يهودية غير صهيونية «كلها ترمي إلى استعمار فلسطين واستيطانها». وقد نظمتها في هيكلية «أشبه بترتيب الحكومات الديمقراطية فالمؤتمرات هي بمثابة البرلمانات … » ص 60 . أيّ في دورها بتنظيم القوى اليهودية المختلفة وتوزيعها في أطر ديمقراطية، كي يكون كلّ فرد مسوولاً عن دور له في المشروع الصهيوني.
قامت الحركة الصهيونية بتسجيل جمعياتها المختلفة في دول خارج الدولة العثمانية كبلاد الإنجليز ص 60 . كي تتجاوز العقبات القانونية التي كانت تفرضها الدولة العثمانية، ولا يزال «الصندوق القومي اليهودي» مسجلاً في بريطانيا، وليس في الكيان، إلى الآن!
التقط اليهود حالنا الاجتماعي بدقة، فيقول نصار حول هذا: «هم يريدون أي اليهود الصهاينة الانتفاع بجهلنا والاستفادة من خمولنا ومن تفرّق كلمتنا وضعف وطنيتنا ليستولوا على بلادنا وموارد رزقنا … » ص 60 . وأما نحن فنختلف عنهم اختلافاً كبيراً. إذ يُفهم من الموسوعة الصهيونية أنّ المشاريع العظمى تبدأ صغيرة. وهذا ما يفعله اليهود. أما نحن العرب فيعتقد الواحد منا بأنّ كلمة منا ستغيّر العالم تلقائياً. لذا فنحن بحاجة إلى- كما يقول نصّار- «قادة مخلصين كهرتسل». ويطالب رجالات الدولة العثمانية من ساسة ومثقفين بتعزيز الوطنية العثمانية وتعليم الناس الاقتصاد وسائر العلوم وتأسيس الشركات للتصدي للنشاطات الصهيونية ص 62- 64 .
يبدو أنّ حالنا لم يتغير منذ قرن، وبما أنّ التاريخ لا ينتظر المتخلفين فإنّ حالنا من سيّئ إلى أسوأ!
الصهيونية: تاريخها- غرضها- أهميتها
ملخصا عن الإنسيكلوبيديا اليهودية
نجيب نصّار 1873 – 1948
حيفا: مطبعة الكرمل، 1911
64 صفحة