مؤتمر «دعم لبنان وشعبه» دعا للإسراع بتأليف الحكومة: مساعدات للبنانيين عبر جمعيات غير حكومية وماكرون يؤكد العقوبات
اعتبر المؤتمر الدولي لـ»دعم لبنان وشعبه» أن «الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، هي واحدة من أسوأ ثلاث أزمات شهدها العالم منذ أواسط القرن التاسع عشر، وهي أيضاً أزمة اجتماعية وغذائية تتحول إلى ازمة إنسانية. كما أنها أزمة سياسية تقع مسؤوليتها على عاتق المسؤولين السياسيين الذين يماطلون في تشكيل حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات الأكثر حاجة، وهي أزمة ثقة بين الشعب اللبناني وقادته، وبين هؤلاء القادة والمجتمع الدولي».
ولفتت الرئاسة الفرنسية في بيان عن المؤتمر الذي انعقد أول من أمس في باريس، عبر تقنية «Video Conference» بمشاركة 33 دولة و13 منظمة دولية و5 ممثلين عن المجتمع المدني اللبناني، إلى أن «المشاركين لبوا دعوة إنسانية بتقديمات إضافية من الأمم المتحدة بقيمة 357 مليون دولار للأشهر الـ12 المقبلة، والتعهد بدعم مالي إجماله 370 مليون دولار، تضاف إليه مساعدات عينية. والهدف هو بشكل خاص، تلبية الحاجات الأكثر إلحاحاً من غذاء، أمن، مياه، مواد صحية، الصحة والتربية».
وأكد المؤتمر أن «رفع الدعم عن المواد الأساسية يجب أن يحصل بالتزامن مع إنشاء شبكات أمان اجتماعية، من ضمنها التطبيق الفوري لقرض الشبكة الطارئة للبنك الدولي للأمان الاجتماعي».
وأعرب المشاركون عن قلقهم من التأخير في التحقيق في انفجار الرابع من آب. ولفتوا بقلق إلى الوضع التشغيلي لمرفأ بيروت ودعوا السلطات اللبنانية إلى اتخاذ التدابير الفورية اللازمة للقيام بالإصلاحات الكافية ولإعادة إعمار أجزاء المرفأ التي تمّ تدميرها.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون افتتح المؤتمر بكلمة، أوضح فيها أن انعقاد هذا المؤتمر هو «لاتخاذ خطوات عملية لمساعدة اللبنانيين»، مشيراً إلى أن «فرنسا ستُخصص في الأشهر المقبلة مبلغ 100 مليون يورو كدعم مباشر للشعب اللبناني، في قطاعات التعليم والتربية، والمساعدات الغذائية، والصحية، إضافةً إلى تقديمها 500 ألف لقاح ضد فيروس كورونا خلال شهر آب الجاري». كما لفت إلى أن بلاده «ستُساهم في إعادة إعمار مرفأ بيروت، خصوصاً المساعدة الطارئة التي ستُقدم للحفاظ على نشاطاته».
وشدّد على أن «هذه المساعدات ستتوجه مباشرةً وبشفافية إلى الجمعيات غير الحكومية وعبر قنوات الأمم المتحدة». ورأى أن «الأزمة التي يعيشها لبنان هي ثمرة فشل فردي وجماعي وأفعال غير مبرّرة، ونتيجة أخطاء حصلت ضد المصلحة العامّة»، معتبراً أن «كل الطبقة السياسية ساهمت في تفاقم الأزمة عندما وضعت مصالحها الشخصية فوق مصالح الشعب اللبناني».
وتوجه إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مؤكداً التقدير الذي يكنّه له، ولشخصيته المناضلة من أجل الحرية، ودعاه إلى «تشكيل حكومة وإيجاد التسوية اللازمة، وتطبيق الورقة التي تمّ التوصل إليها قبل عام من الآن»، مضيفاً أن «الأولوية الملحّة الآن هي لتشكيل حكومة بإمكانها اتخاذ تدابير استثنائية في خدمة الشعب اللبناني».
وقال «لقد تمكنّا من اتخاذ تدابير صارمة ضد الشخصيات المنخرطة بالفساد والتعطيل السياسي في لبنان، ووضعنا مع شركائنا الأوروبيين نظاماً خاصاً بالعقوبات من أجل لبنان، ويجب على المسؤولين فيه ألاّ يشكّوا بتصميمنا على تطبيق هذه العقوبات».
ثم تحدثت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد، فأكدت باسم الأمين العام أنطونيو غوتيريس دعم المجتمع الدولي للشعب اللبناني.
وألقى الرئيس عون، كلمة، قال فيها «سنة مرّت على الكارثة التي ضربت قلب بيروت، ولا تزال جرحاً نازفاً في وجدان كل اللبنانيين، ولا يزال السعي إلى الحقيقة وإحقاق العدالة الكاملة مطلباً لكل لبناني وحقاً بديهياً، خصوصاً لمن أصابته الخسارة في الصميم، أهالي الضحايا الذين سقطوا في ذلك اليوم المشؤوم».
وكرّر التزمه بتحقيق العدالة وبمحاسبة كل من يثبت التحقيق تورطه، مؤكداً «أن لا أحد فوق سقف القانون مهما علا شأنه وليذهب القضاء إلى النهاية في التحقيق والمحاكمات، حتى تبيان الحقائق وتحقيق العدالة المنشودة».
وتابع «بعد مضي عام على فاجعة الرابع من آب 2020، لا تزال التداعيات المدمّرة تنعكس على جميع المستويات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والتربوية، فتفاقم الأزمات التي تعصف بوطننا»، مضيفاً «إن لبنان يمرّ اليوم بأصعب أوقاته، معدل غير مسبوق للفقر، جائحة كوفيد 19، نقص حاد في الأدوية، ناهيك عن العبء الثقيل للنزوح السوري، والحصار المفروض حولنا والذي يحرم لبنان من مداه الحيوي، لذا لم يعد بإمكانه انتظار الحلول الإقليمية ولا الكبرى. وهو لا شك بحاجة إلى كل مساعدة ومساندة من المجتمع الدولي بعد تحديد الاحتياجات والأولويات، مساعدات انسانية واجتماعية وصحية شعبنا بأمسّ الحاجة إليها، مساعدات تساهم في استمرار الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطنون وضمان عدم توقفها بفعل الظروف الطارئة خصوصاً في قطاع الصحة وفي صيانة البُنى التحتية للمياه والكهرباء، فضلاً عن مساعدات تُساهم في تأمين احتياجات جيشنا وقوانا الأمنية صمّام الأمان وسط كل الوضع الضاغط. كذلك، فإن إعادة التشغيل الكامل لمرفأ بيروت، الشريان الحيوي للاقتصاد اللبناني هو ضرورة ملحّة، ولبنان الذي يضع في قمة أولوياته تأهيل وتطوير هذا المرفق يُرحّب بأي جهد دولي في هذا الإطار».
ولفت إلى أن «البلاد غرقت لأشهر خلت في أزمة سياسية طغت فيها للأسف تفاصيل التشكيل على البرنامج، أي المشروع الإنقاذي للحكومة». وقال «اليوم نحن في مرحلة جديدة، وآمل تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، والتحضير للانتخابات النيابية المقبلة، بالتوازي مع بناء الثقة مع شركائنا الدوليين والتواصل مع صندوق النقد الدولي. ولا بدّ من التأكيد هنا أن المبلغ العائد لحقوق السحب الخاصة والذي سيستفيد منه لبنان من الصندوق في أيلول المقبل يجب استعماله بتأنٍ وتوظيفه بأفضل طريقة لمواجهة الانهيار وبدء الاصلاحات».
وتابع «إني مؤمن بأن إجراءات التدقيق الجنائي في الحسابات العامّة ضرورية وإلزامية، وعاهدت اللبنانيين على المضي بها مهما كانت العراقيل، ونحن بانتظار نتائج هذا التدقيق في حسابات المصرف المركزي، والذي نتمسك به لتحديد وتوزيع الخسائر والمسؤوليات».
من جهته، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن في كلمته «تضامن الجميع من أجل انقاذ لبنان بعد الانفجار المهول الذي أصابه منذ عام»، معلناً عن «مساعدات إنسانية من الولايات المتحدة بقيمة 100 مليون دولار تُضاف إلى قرابة 560 مليون دولار قدمتها واشنطن كمساعدات إنسانية خلال السنوات الماضية». وختم «نحن هنا لمساعدتكم إذا التزمتم بتعهداتكم».
وتحدث الملك الأردني عبد الله الثاني، فاعتبر أن «الأزمة في لبنان تتفاقم يوماً بعد يوم على أكثر من صعيد، خصوصاً في الأمور الحياتية الأساسية، ولا بدّ من مساعدة دولية منسّقة تتخطى الحدود الجغرافية للبنان لتصل إلى المنطقة بأكملها، ويجب أن تنعكس المساعدات إيجاباً على الشعب اللبناني، وأن تُوزّع بعدالة، وأن يكون هناك تنسيق يسمح لنا بتجسيد المساعدات عملياً وتلبية الحاجات بسرعة وبفعّالية أكثر».
ورأى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنّ «الأزمة الاقتصادية في لبنان تتفاقم بفعل الفراغ السياسي الذي يعيشه البلد». وأشار إلى أنّ مصر تطلب «من جديد ملء هذا الفراغ وتصحيحه لمنع دخول لبنان في دوّامة سيقع فيها الجميع، ويستحق اللبنانيون قيام حكومة مسؤولة تضع في أولوياتها مصالح البلد».
وتحدث رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح، فأكد «أن مشاركتنا في المؤتمر هي للتشديد على أن لبنان واللبنانيين هم أولوية لنا جميعاً. والكويت تسعى إلى تعزيز الحوار بين مختلف الأفرقاء اللبنانيين للوصول ألى حلول». وشدّد على «ضرورة التوصل إلى توازن سياسي واقتصادي وقضائي في لبنان، وإيجاد الحلول للازمة الاقتصادية الحالية».
وإذ أكد «استعداد الجميع لمساعدة لبنان للنهوض من آثار انفجار مرفأ بيروت»، أشار إلى أن «الكويت قدّمت مساعدة إضافية بقيمة 30 مليون دولار لترميم الإهراءات وإنشائها، كما تمّ توفير مساعدات طبية وغذائية من خلال جسر جوي، إضافةً إلى العديد من المساعدات في حقول ومجالات عديدة، وفي موضوع اللاجئين السوريين».
أضاف «إن لبنان وصل إلى مفترق، وعلينا القيام بكل شيء من أجل مساعدته على تجاوز هذه المحنة، ولكن من المهم أن يجد اللبنانيون بأنفسهم حلولاً، لأنه لا يمكن للمجتمع الدولي الاستمرار في المساعدة من دون قيام لبنان بخطوة موحدة وتضامنية في الداخل».
وأكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن «العراق يدعم الجهود المبذولة من أجل وضع حدّ للأزمة السياسية والاقتصادية التي يعيشها لبنان راهناً»، معتبراً أن «على القيادات السياسية اللبنانية أن تتحمّل مسؤولياتها في توطيد استقرار بلادها، والحفاظ على وحدتها وروابط الصداقة الدولية».
وشدّد على «أن العراق يقدّم كل ما بوسعه من أجل تدعيم أمن لبنان واستقراره»، مؤكداً أن العراق «يجدّد التزامه تقديم كل مساعدة سريعة مطلوبة من غذائية ونفطية، وسنواصل بذل جهودنا من خلال تقديم المساعدات الطبية والغذائية والوقود لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية ونحن نقوم بذلك لأنه واجب علينا تجاه أشقائنا الذين هم في المعاناة».
وربط رئيس الاتحاد الأوروبي شارل ميشال المساعدة الدولية بالتطور الملموس في الإصلاحات المطلوبة للخروج من الأزمة.
وأعرب السفير الصيني في لبنان كيان مينجيان عن ترحيب بلاده «بتكليف رئيس الجمهورية النائب نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة»، وعن أملها في «عمل كل الأطراف اللبنانية بروحية طيبة وتعزيز الحوار لتشكيل حكومة في اسرع وقت ممكن».
وإذ عرض للمساعدات التي قدمتها الصين إلى لبنان، أبدى استعداد بلاده «لتعزيز التعاون بين البلدين في المجالات كافة، ومنها المجالات الصحية وإعادة الإعمار والاستقرار الأمني والحفاظ على الهدوء على الحدود». ودعا إلى «دعم قوات يونيفيل للحفاظ على الاستقرار على الحدود»، والأطراف المعنية إلى «مراقبة تطبيق قرارات الأمم المتحدة والتوقف عن خرق السيادة اللبنانية والأعمال التي تهدّد الاستقرار في المنطقة».
ثم تحدث القائم بالأعمال في السفارة الروسية في فرنسا ألكسندر زيزيولين الذي رحّب بكل المساعدات الدولية للبنان، ولكنه شدّد على «أهمية قيام حكومة قادرة على اتخاذ قرارات مناسبة لتخطّي الأزمات، وتحظى بدعم كل الفئات اللبنانية». وأعرب عن «دعم روسيا لمساعدة لبنان على الصعد كافة مع احترام سيادته وسلامة أراضيه».
وأكد رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس «أننا معاً من أجل مساعدة لبنان للخروج من الأزمة الإنسانية التي يعيشها، واللبنانيون يعانون من «انهيار مقصود» لأن مسبّب هذه الأزمة هو تعاطي العديد من الحكومات السابقة وداعميها». وشدّد على أن «لبنان بحاجة إلى حكومة تشدّد على الشفافية وحقوق الإنسان ونظام محاسبة يطاول المؤسسات كافة».
بدورها، كشفت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا أن لبنان سيحصل على ما يعادل نحو 860 مليون دولار من الاحتياطيات الجديدة لصندوق النقد الدولي، متوقعةً توزيعها في 23 آب الحالي. ورأت أن «هذا لن يحلّ مشكلات لبنان الهيكلية والنظامية طويلة الأمد، بل يحتاج حكومة يتم تمكينها من القيام بالإصلاح وتُنعش من جديد اقتصاد لبنان المتعثّر».
من جهته، زعم وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أن «لبنان يواجه أزمة في تشكيل حكومة فاعلة، وإصرار فريق على فرض هيمنته». وقال «إن مستقبل لبنان يتوقف على استعادته لسيادته».
كما تحدث في المؤتمر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط وعدد من وزراء الدول الأوربية، المدير العام لمنظمة الصحة الدولية والأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.