هل يريد الغربيون حكومة لبنانية في الوقت الحاضر؟
} د. وفيق إبراهيم
المؤشرات المتتابعة لا توحي أبداً أنّ هناك تكثيفاً لضغوط غربية تستعجل ولادة حكومة لبنانية يشكلها نجيب ميقاتي أو غيره، فما هو واضح انّ المطلوب من الناحية الغربية على الأقلّ، هو إبقاء لبنان من دون حكومة مع الاستمرار في رعاية فوضى داخلية، اما المقصود بالغربيين هنا فهم بشكل اساسي الأميركيون اولاً ويليهم الفرنسيون لانهم الاقوى على مستوى النفوذ في الشرق الاوسط.
ما هي المؤشرات: اولاً هناك اشتباكات حدودية بين «إسرائيل» وايران وسورية وفلسطين ولبنان.
اما لجهة الداخل: فتكفي التحركات التي ينفذها حزب القوات اللبنانية لافتعال اشتباكات وفوضى من دون اي اسباب واضحة حتى يجري الربط بين القتال الحدودي وتفجير القوات للوضع الداخلي، حتى يستوعب المراقب انه ربط موظف في خدمة التفجير الغربي للاوضاع خصوصاً على مستوى تفلت الصراعات في شوارع لبنان من مسيحيين وسنة وطوائف متعددة مع انضباط شبه كامل للشيعة والدروز.
الا ان هذه الاشتباكات الحدودية لا مستقبل لها لأنها تقع عند حافة منطقة شديدة الخطورة قد تؤدي الى انفجار كبير في اطار صراعات بين تنظيمات ودول وقد تسمح ايضاً لتدحرج دول جديدة من خارج الاطر التقليدية للصراع العربي «الإسرائيلي» الى قلبه في اطار تأييد لفريق على فريق آخر.
لذلك فإنّ تطور القتال عند النقطة السورية «الإسرائيلية» حدوداً تجذب بسرعة المنظمات الفلسطينية وحزب الله، والفرنسيين والأميركيين لكن هذا الامر لن يتوقف هنا، فالروس العاملون من أجل اختراق الشرق الأوسط قد يجدون هذا الأمر فرصة لتأييد فلسطيني سوري – حزب الله بحدود معينة، لكنه أكثر من كاف لمناوشة الأميركيين في إطار القتال التاريخي عند هذه النقاط، لأنّ دخول الروس الى المشرق فيه تأكيد على تطوير صراعاتهم مع الاميركيين بما يؤدي الى زيادة نقاط كثيرة الى جعبتهم في لعبة حيازة النقاط في صراعاتهم التقليدية مع الأميركيين.
لذلك فمن المرجح ابتعاد القوى الأساسية الغربية عن القتال عند الحدود الجنوبية في طرق مواجهة او بالواسطة مع ميلهم للاكتفاء بدعم القوى الموجودة فيها.
لكن «إسرائيل» تبقى القوة التي يعتبرها الغربيون مشرقية – شرق اوسطية ويبالغون في دعمها حتى تصبح قوة يمكن المراهنة عليها لهزيمة القوى المشرقية ومنع الروس من التدحرج نحو الشرق الاوسط.
هناك بلدان إضافيان يحاول الغربيون منعهما من التأثير على منطقة المشرق وهما الصين ولبنان.
وهذا ما يجعل من المراقب مدعواً للاستهزاء وذلك للفارق الكبير بين النموذجين: فالغرب يريد منع المشرق من السقوط في الكيس الصيني الذي يهدّد العالم بأسره بالابتلاع ولا يمكن طرد الصين بمنع تسويق سلعها في الشرق الأوسط فقط، فهذا ليس كافياً لأنّ التنين الاصفر لا يحتاج لأكثر من ومضة عين كي يروّج لسلع رخيصة وزهيدة السعر في مناطق فقيرة تحتاج اليها، كما ان الغرب حريص على منع تطور العلاقات الدبلوماسية والتجارية والاقتصادية مع الصين لأنها بدورها قادرة على التطور بمدى زمني معيّن.
هذا من جهة الصين التي تكشف في الوقت نفسه عن علاقات قاسية مع الغرب في منطقة المشرق، اما لجهة لبنان فهو ليس قادراً أبداً على الاستيلاء الاقتصادي على الشرق الأوسط لأنه محدود الامكانات ومتخلف اقتصادياً، لكن لبنان بوسعه من طريق حدوده المشتركة في الزاوية الفلسطينية ان يدفع المنطقة نحو حريق كبير لا يوفر احداً من القوى الدولية من التورّط في الصراع حول القضية الفلسطينية.
وحرب القضية الفلسطينية هي التي تسمح للبنان بتأهيل الطريق لروسيا والصين للعبور الى الشرق الاوسط.
العودة اذاً الى الصراعات الحدودية واللبنانية الداخلية انما هي مشاريع يُراد منها جذب العالم الى حلبة الصراعات الفعلية التي تضغط باتجاه الاستفادة من كل القوة الدولية والمشرقية.
فهل يتمكن لبنان من ايقاف حربه الداخلية؟
فإذا كانت الصين وروسيا مؤيدتين لوقف هذا الصراع ومعهما سورية فإنّ السعودية واميركا وفرنسا لا تبدو موافقة على تجميد هذا الصراع بدليل انّ حزب القوات مموّل من قبلها بالسلاح والذخيرة لا يتوقف عن اثارة الشارع والتحرش بالقوى الاخرى.
لذلك تبدو هذه المرحلة الانسب لتهيئة الظروف لاختراق روسي – صيني لمنطقة المشرق من البوابة اللبنانية ومن خلال القضية الفلسطينية.
اما لجهة سورية فإنها صالحة لأكثر من أداء دور بداية وبإمكانها ان تكون كما هي الآن مع الروس حليفاً كبيراً للصين، لكن هذه الامور تتطلب هدوءاً في المشرق لا يعمل عليه الغرب.
وهذا الغرب الذي يستطيع تشكيل حكومة لبنانية جديدة بأيام قليلة لا يعمل عليها الآن ابداً مفضلاً حالة الفوضى الملحوظة حالياً مع انفجار الشارع وذلك لأنها جزء من محاولات سيطرته على منطقة المشرق ومنع الدول الاخرى في روسيا والصين من التدحرج نحوها، لبنان اذاً هو من مشرق كبير يخضع لصراعات دولية اكبر وهو ذاهب لكي يكون جزءاً من قتال صعب يشمل مناطقه الحدودية وكثيراً من الدول المجاورة.