لماذا نكتب؟
} لودي جورج الحداد*
نكتب لنولدَ من جديدٍ ونكون، فتستريح أرواحنا المثقلة بكآس الوهن وبمشقّات المسير، وتبحر مع مزن الخيال الرّحب المتعمّد بالصّدق والوفاء لأعمارنا والسّنين، قبل أوان الغرق والرحيل.
فالحبر سلسبيلٌ من دمٍ وماء، ينساب ويتدفّق من أعماق أحاسيسنا، التي تروّيها جداول التّوق وآبار الوجد، والتي تهدر فينا وتمور، كالبحور المسجورة بالوجل حيناً وبالأمل حيناً آخر، فتتخبّط أمواجها في أرجائنا المترعةِ بالصّمت المتلهّف دائماً إلى عبور السّحاب فوق أوشحة الضبابِ والسّكات.
فمهما دوّنا من سيول خلجاتنا على صفائح النّور، وفوق هالات الشّفق، يبقى ذلك السّدر الصّاخب فينا، مدّاً وجزراً على رمالٍ تستعر مساماتُها وتتلهّف ظامئةً إلى قطرات البوح النّدي، الذي ينادي الموانئ والشطآن لتتكسّر أمواجه على دفاتر الغياب الممزوج بالوصال والمحال، نقوشاً سرمديّةً، تسافر على أشرعةٍ لا تهاب لظى الصّيف، ولا غضب الشّتاء.
فهنيئاً لمن استطاع أن يغزوَ أسوارَ القلوب والنّفوس، بسحر مداده الشّفيف، وحبره المفعم بعبق الحنين الرفيف، وسطوره التي تخفي في طيّاتها ألفاً وألف فكرةٍ، وتحلّق فوق عبق الأساطير التي تبحر مع تردّدات الزّمن الأصيل والجميل، كأحلام العذارى على حافات السّواقي، وألحان الرعاة المتنائين عن غوغاء الأنام، على سفوح الضّباب والجبال، التي تعانق بأجنحتها تراتيل المدى، وتمسك براحتيها أوتار الصّدى، الذي يحضنُ أسرارنا وأسماءنا وكلّ العناوين، في أفراحنا وأحزاننا، وحتى بعد الأفول والمغيب.
هنيئاً لمن نثرَ عطراً وبخوراً، يدمع ويسيل مع تنهّدات الغيوم الهائمة فوق أهداب اللّيالي، عند انسكاب أول زخّات المطر، وأوّل شهقةٍ للرّيح…!!