مجهول
} حيدر الهاشمي*
الكثير من حولي ماتوا، تركوا أحلامهم على ضفاف البؤس وفوهات البنادق، لكنهم عادوا إلى ذويهم واستمتعوا بوداع الأمهات.
عندما كنّا صغاراً في المدرسة، كان المدير يجمعنا كل يوم خميس، وبعد رفعة العلم، يحدّثنا عن الوطن ومن كثرة ما قال عنه، ظننته أبي.
نحن في قرية منسية لم يسمع بها أحد، كانت غرف نومنا الضيقة، تنعم بالدفء والحنان. أتذكر عندما عدت من المدرسة، شاهدت جدّتي تضع فوق عينيها خرقة سوداء، وتنعى أبي بصوت حزين يكسر صمت الماء وبيوت الطين، في اليوم التالي أيقظتني أمي مبكراً، البستني حزام أبي وقالت: استعد لمواجهة الحياة، حينها عرفت أن السعادة غادرتنا إلى الأبد، وأن أبي مات في أرض المعركة.
اكثر ما يؤرقني في هذه الليلة، هو عيد الحب، كتب صديقي سامر إلى حبيبته وقال لي: أخشى من الموت، إذا خرجت من الحرب سالماً، أرجو منك إيصال رسالتي إليها، أخبرها أن مذاق القبلة في تلك الليلة ما زال لذيذاً في فمي، عندما شاهدته يتلوى من البرد، أعطيته قمصلتي وفي داخلها كل أوراقي الثبوتيّة، لا أعرف كيف سارت الأمور في تلك الليلة، وأي حبكة كتبها لنا القدر، كلما أتذكره هو القصف الكثيف وطائرات الأباتشي، تحوم فوقنا.
زارني سامر قبل ليلة أو ليلتين، لا أتذكر الوقت بالضبط، على الأرجح بعد منتصف الليل، شكرني كثيراً وقال: امك عظيمة، تزورني باستمرار، تجلب معها الشاي والبسكويت، البخور والشموع، ثم تعطر قبري بماء الورد وتتحدّث معي عن طفولتك وفي داخلها حزن عميق، كل ظنها هو أنت.
الآن وقد مضى وقت طويل على نهاية الحرب، ما زلت أرقد هنا في أرض المعركة، دون أن يلتفت لصراخي أحد، تسافر روحي مع الغيم، أشتاق إلى قريتي، وإلى سنابل القمح وحديث العصافير، ثم أعود وحيداً هنا، مثل لغم أرضي، كلما سحقني أحد، انفجر بالدموع.