ماذا بقي للبنانيين؟
} د. وفيق إبراهيم
كان من الأفضل لو سأل الخبراء لماذا يسكت اللبنانيون… الإفلاس حطم دولتهم ومؤسساتهم السياسية والاقتصادية أمست في خبر كان، وهم صامتون يقذفون بعشرات الشبان لقطع الطرقات وحرق الدواليب ويقفلون عائدين الى منازلهم في الليل يترقبون تحركاً جديداً في اليوم التالي.
فهل يستطيع لبنان ان يعاود بناء دولته المنهارة؟
هذا يحتاج الى فئة شعبية منظمة بالحدّ الأدنى لكنها غير موجودة، فلا يمكن أبداً لمجموعات شعبية لا تتحرك بشيء من الانتظام ان تصل الى مرحلة بناء الدولة على أسس جديدة، فالانهيار اللبناني هو سياسي اقتصادي له أسس داخلية وخارجية، فلبنان أدرك مرحلة غير مفهومة من الانهيار لم تسبقه اليه دولة عربية وحتى عالمية أخرى، تكفي نظرة على البلدان العربية حتى يتضح انّ وضع لبنان غير مسبوق والطريق التي يسقط فيها غريبة، فالأسس الداخلية للسقوط ليست واضحة، نعم هناك تراجع اقتصادي كبير يشابه الانهيارات في أميركا اللاتينية والمشرق العربي، وكان بإمكان رعاة لبنان الخارجيين لملمة هبوطه والسيطرة على لبنان الاقتصادي والسياسي، وهذا ما كانوا يفعلونه طيلة العقود الخمسة الماضية وربما أكثر، وهذا يؤكد انّ لبنان إنما يهوي بفعل خارجي يريد الانتفاع من الفوضى اللبنانية للتأثير على علاقته بالخارج.
أما ما هو المستجد في العناصر اللبنانية حتى يجعل الغرب متأهّباً لمنع هذا الجديد من التموضع في الآليات السياسية اللبنانية؟
مسيحياً لا يشكل الفريقان المسيحيان الكبيران عناصر مطلوبة عربياً ودولياً.
وهم بالتالي عاجزون عن التأسيس للبنان السياسي فيه مسيحيون ومسلمون ولديهم القدرة على الاستمرار في آليات سياسية موحدة.
وكذلك بالنسبة للدروز فليس بإمكانهم الانخراط في نظام سياسي متعدّد وناجح، أما السنة فمتراجعون الى حدود عجزهم عن تشكيل وضعية لهم فيها قصب السبق كأيام الراحل رفيق الحريري.
الحقيقة هنا انّ الغرب يبحث عن آليات سياسية جديدة، تعيد إنتاج قواه وأدواره المشرقية في مدى جغرافي – سياسي يمتدّ من إيران الى لبنان، هذا ما يريده الغرب السياسي ويصرّ عليه بمحاولات الانقلاب على نفسه في ميادين لبنان حيث يوجد ما يريده الأميركيون وأحلافهم.
بلعبة الاستنتاج يتبيّن انّ ما يريده الأميركيون هم فئة موالية لإيران وهذا ينطبق على حزب الله، ويتمنّون وجود فئة لبنانية تناوئ سورية وهذا موجود أيضاً في حزب الله، ولأنّ حزب الله هو الأكثر عداء في السياسة والفكر والاقتصاد للأميركيين فإنهم متصارعون مع الأميركيين حتى إشعار آخر.
وتنطبق هذه السياسات على مجمل العالم الغربي من دون استثناء، حتى انّ حزب الله هو الحليف الاساسي لكلّ القوى المعادية للأميركيين في الشرق الأوسط.
انّ ما استشعر به الأميركيون خطراً كبيراً من حزب الله عليهم وهو استعداده لفتح علاقات مع الصين وروسيا عبر إيران او بالمباشر، هذا بالإضافة الى انه هو الحزب الوحيد الذي استقبله الروس بحفاوة ما بعدها حفاوة واعتمده كوكيل رسمي للمنظمات المعادية للأميركيين وتحالفاتهم.
وبما انه عدو كبير مناوئ لـ «اسرائيل» فإنّ الأميركيين يستشعرون غضباً شديداً من أدواره المتعددة، فـ «إسرائيل» هي الهراوة الغربية التي تضرب كلّ ما له علاقة باستعداء الغرب.
هناك نقطة خطيرة جداً وهي انّ حزب الله يبرز أكثر في مرحلة تقارب «إسرائيلية» خليجية عربية، وصعود حزب الله يجعل من فكرة التحالف مع «إسرائيل» مستحيلة.
لذلك فإنّ الدور المقاوم للحزب وقتاله «إسرائيل» ووقوفه في وجه التمدّد الغربي ومطاردته للدور «الإسرائيلي» في معظم بلاد العرب، إنما هي عناصر تثير رعب الدور الأميركي الغربي.
هذه هي الأسباب التي جعلت من المشروع الأميركي الفرنسي الأوروبي عموماً و»الإسرائيلي» خصوصاً يلقي بثقله في الساحة اللبنانية محاولاً إلغاء الدور العسكري – السياسي المقاومة لحزب الله وهذا يتطلب تفجيراً لوضعه الداخلي وهذا ما حدث من انشقاق سياسي وطائفي مقرون بقتال شعبي مفتوح.
لكن هذا النمط من الصراعات لا يروق للأميركيين لأنهم يريدون ائتلاف كلّ القوى الطائفية من شيعة وسنة ومسيحيين تحت إبطهم ليجعلوا منهم وسلة للصراع مع حزب الله في الداخل اللبناني.
لذلك يمنع الأميركيون إيقاف المعارك الداخلية، ويحرّضون فئات طائفية على فئات مذهبية مماثلة لها، ويواصلون تحركاتهم اعتقاداً منهم انها الوسيلة الوحيدة لتدمير حزب الله.
فهل ينجح الأميركيون؟ أثبت حزب الله حتى الآن أنه أقوى تنظيم مقاوم وشعبي يعمل خارج السلطات العربية ويبدو انّ قوّته مستمرّة حتى تحقيق القدر الأكبر من مشروع في بلاد العرب.