التفسخ السياسي اللبناني هو المسؤول
– تعمّ الصرخات أنحاء لبنان قهراً ووجعاً، من الغلاء الفاحش ينهش ما تبقى من مداخيل لمن تبقت لهم أعمال ووظائف، ومن غياب الكهرباء وفقدان المحروقات، وإخفاء الأدوية، بحيث اختلت معايير حياة اللبنانيين خلال سنتين بصورة بلغت مراحل من القسوة والمرارة لم يعرفها اللبنانيون خلال سنوات الحرب رغم كل ما فيها من قسوة.
– تنهمر الدعوات على اللبنانيين للنزول الى الشوارع، وهم يحجمون لأنهم إختبروا هذا النزول واكتشفوا انّ الذين يتزعّمون حراك الشارع ليسوا أفضل من الذين يديرون دفة الدولة ومؤسّساتها، وكانوا سبباً للمأساة التي تعصف ببلدهم وبهم، ويتسابق قادة الأحزاب السياسية التي اشتركت في مؤسسات السلطة لسنوات مضت على مواقف وخطابات وسلوك يريد التبرّؤ من المسؤولية، وإعلان الإنضمام الى صفوف “الثورة” على النظام، وتصدّر ساحة الدعوات للإصلاح.
– قبل 17 تشرين بدأت القوات اللبنانية مسيرة الانسحاب من السلطة، وسبقها حزب الكتائب الذي وصل إلى استقالة نوابه، وبعد 17 تشرين عام 2019 بادر الرئيس السابق سعد الحريري للاستقالة معلناً الإنضمام الى هذا التبرّؤ، ساعياً لإلقاء العبء على شركائه في الحكم، ولم يلبث ان رشح نفسه لرئاسة الحكومة دون ان يتمكن من بلوغ نهاية سعيدة لمسعاه، وتبعه التيار الوطني الحر بحمل راية الوقوف في صفوف “الثورة” سواء من خلال موقفه من ملاحقات المحقق العدلي أو تناوله لقضية الدعم والعلاقة بحاكم مصرف لبنان.
– ما لا يستطيع أحد إنكاره هو انّ ما وقع كان نتاج تخلي الجميع عن القيام بواجباتهم في مواجهة سياسة مالية مدمّرة استهلكت الودائع لحماية سعر الصرف، وراكمت الديون بفوائد مرتفعة حتى زادت قيمة الفوائد على أصل قيمة الدين وعلى إجمالي عائدات الدولة، وكلّ محاولة للتبرّؤ هروب بلا جدوى من المسؤولية.
– الأخطر في ما نشهده اليوم هو أن هذا التفسخ السياسي الذي يجعل مجلس النواب مصاباً بالشلل، والحكومة عاجزة عن الولادة، والشارع من انقسام الى انقسام أشدّ، يشكل المصدر الأشدّ خطراً على مستقبل البلد، فلا الديمقراطية اللبنانية المشوّهة قادرة على تقديم آليات لحلول حقيقية، ولا الشارع قادر على فتح نافذة على مستقبل أفضل، ويبقى الوفاق السياسي على علاته، أقصر الطرق للخروج من النفق.
– هل يملك قادة القوى الفاعلة جرأة التقدم نحو التوافق السياسي وتبادل التنازلات لبلورة خطة حد أدنى سياسية واقتصادية لتخفيف الخسائر؟