عصر المقاومة ومعادلاتها الرادعة…
} حسن حردان
ليس من المبالغة أبداً عندما نقول إننا نعيش في عصر المقاومة التي تنجز الانتصارات وتحقق العزة والكرامة وتصنع مجد الأمة، وترسم المعادلات وتمسك بزمام المبادرة، وتأخذ القرار في الردّ على مخططات الأعداء واعتداءاتهم المتعدّدة الأشكال، في التوقيت المناسب الذي يمكن المقاومة من تحقيق أهدافها المبتغاة.. فقيادة المقاومة تدير الصراع بحنكة ودراية وبأفق استراتيجي وتكتيكي في آن معاً، وهي لا تبني مواقفها وردودها بانفعالية، ولهذا تحاذر دائماً الوقوع في الفخاخ التي ينصبها لها الأعداء… لكنها تملك جرأة الإقدام وخوض المواجهة في مواجهة الأعداء.
من هنا فإنّ قيادة المقاومة التي أدركت أبعاد الحرب الاقتصادية الأميركية التي اشتدت بعد اندلاع احتجاجات 17 تشرين الأول عام 2019، اعتمدت استراتيجية مدروسة لإحباط أهداف هذه الحرب المصحوبة بكلّ أشكال الحرب الأميركية الناعمة التي تستهدف النيل من شرعية وشعبية المقاومة، عبر تجويع اللبنانيين وتأليبهم ضدّ مقاومتهم بتحميلها مسؤولية ما يتعرّضون له من معاناة وتدهور في مستوى معيشتهم، وإذلال في السعي للحصول على احتياجاتهم اليومية من محروقات ودواء وخبز ومواد غذائية، بسبب الحصار الأميركي المفروض على لبنان…
وانتظرت قيادة المقاومة نحو سنتين للانتقال من الدفاع إلى الهجوم للردّ على هذه الحرب الاقتصادية التي باتت تخنق اللبنانيين، واختارت توقيتاً يجعل من ردّ المقاومة يحظى بالتأييد والمشروعية الشعبية، بما يربك مخططات الأعداء ويحدث تحوّلاً في مواجهة الحرب الاقتصادية لمصلحة قرار المقاومة بكسر الحصار الأميركي… وهو ما تجسّد في الارتباك الذي اتسمت به ردود فعل المسؤولين الأميركيين، وأتباعهم في لبنان، الذين فوجئوا بقرار المقاومة البدء باستيراد المشتقات النفطية من إيران الثورة المستمرة.
على الرغم من ان المعركة لكسر الحصار وتحقيق النصر في مواجهة الحرب الاقتصادية لا تزال في بدايتها، إلا انها بدأت بإرادة واستعداد للفوز بها، بعد أن تمّ توفير كلّ العوامل والشروط لذلك، فالمقاومة لم تنتقل إلى الهجوم الا بعد أن حضّرت جيداً لذلك واختارت التوقيت الذي يمكنها من ربح المعركة وتحقيق الهدف.. وهي وضعت بالحسبان جميع الاحتمالات واستعدّت لها جيداً.. فالمقاومة تملك القدرات الكافية لحماية قرارها الهجومي بكسر الحصار، تحسّبت لكلّ خطوة، وهي تعرف جيداً عناصر قوة العدو وعناصر ضعفه، كما تعرف جيداً انّ العدو الصهيوني والأميركي يدرك انه أمام مقاومة تملك قدرة وجرأة خوض المواجهة والدفاع عن خياراتها الوطنية وحماية حقوق لبنان وقادرة على الردّ على أيّ حماقة صهيونية أميركية بقوة.. ففي مقابل أيّ محاولة للتعرّض للسفن الآتية من إيران تستطيع المقاومة ضرب المنشآت النفطية الصهيونية في المياه الإقليمية الفلسطينية وتدميرها وسيكون ذلك جزءاً من حق الدفاع عن النفس والردّ على العدوان، وسيكون هذا الردّ مدعوماً من غالبية الشعب اللبناني الذي يعاني من صعوبة كبيرة في الحصول على المحروقات.. ويعكس ذلك تعزيزاً لمعادلات الردع التي باتت تفرضها المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني.
كما أنّ قيادة المقاومة تدرك جيداً انّ العدو الأميركي والصهيوني في حالة ارتباك لا يجرؤ على الذهاب إلى معركة واسعة غير مستعد لها وغير قادر على الانتصار فيها، لا سيما وهو ينسحب مهزوماً بذلّ وهوان بعد عشرين عاماً من أفغانستان من دون ان يتمكن من تحقيق أهداف حربه.. وهو ما أدى إلى مزيد من تراجع هيبة وسطوة وهيمنة الإمبراطورية الأميركية وفاقم القلق لدى دوائر القرار في الكيان الصهيوني الذي يعتمد في قوته على القوة الأميركية، وكذلك أحدث هلعاً في أوساط الأنظمة والقوى التابعة للولايات المتحدة، من انّ الأخيرة قد تتخلى عنها كما تخلت عن النظام الذي بنته على مدى عشرين عاما في أفغانستان..
وفي ضوء ذلك يبدو من الواضح أنّ المقاومة باتت تملك زمام المبادرة والقدرة على الانتقال إلى الهجوم وتحقيق المزيد من الانتصارات والإنجازات، فيما العدو الصهيوني في حالة ارتباك وارتداع، والعدو الأميركي في حالة تراجع وانهزام، نتيجة فشل حروبه في أفغانستان والعراق وسورية واليمن، وإخفاقه في محاولة فرض مشروع هيمنته الأحادي على العالم.. في مقابل صعود وتنامي حلف المقاومة في المنطقة، وتزايد قوة المحور الدولي، بقيادة روسيا والصين وإيران، المتصدي للهيمنة الأميركية.
انطلاقاً من كلّ ذلك فإنه ليس من المبالغة القول إننا بتنا في عصر المقاومة المنتصرة التي ترسم وتفرض معادلات القوة والردع في مواجهة أعداء لبنان والأمة.