ماذا بعد خطاب نتنياهو؟
برّر بنيامين نتنياهو أمام المؤتمر السنوي للوبي الصهيوني «ايباك» كما أمام الكونغرس الأميركي الغاية من غزوته السياسية للولايات المتحدة وعرض مشكلة «إسرائيل» مع إيران «النووية»، فهل قدّم حلاّ؟
المشكلة، في رأيه، «أن إيران تدرّب وتسلّح إرهابيين في القارات الخمس، وهذا ما تفعله حالياً من دون سلاح نووي. تخيّلوا ما ستفعله إيران إن امتلكت سلاحاً نووياً. لقد تعهدت إيران بإبادة «إسرائيل»، وإذا امتلكت سلاحاً نووياً، فيمكنها فعل ذلك. لكن محظور علينا السماح لها به».
كيف؟
«إسرائيل» تملك 200 رأس نووي، فهل تفاجئ إيران بضربة استباقية؟ هذه مغامرة مستحيلة لألف سبب وسبب. ومع ذلك إذا قرر أي مسؤول «إسرائيلي» مجنون أن يفعلها فإن ردود الفعل الثأرية، العسكرية والسياسية والاقتصادية، من إيران وغيرها كفيلة بإنهاء الكيان الصهيوني مرةً وإلى الأبد.
نتنياهو يرى أن الحل في توقّف الولايات المتحدة عن مفاوضة إيران لتوقيع اتفاق سيء معها والشروع في فرض عقوبات شديدة عليها مع تعهد باستعمال القوة ضدها إذا ما اتجهت إلى صنع سلاح نووي.
غير أن نتنياهو، وغيره كثيرون، يعلمون أن الولايات المتحدة لن تلجأ إلى الحرب لضخامة تكلفتها البشرية والمادية والسياسية وهي التي ما زالت تعاني من مديونية عالية بتريليونات الدولارات. ثم، لو أن استعمال القوة ممكن لما لجأت واشنطن إلى مفاوضة طهران وتعليق بعض العقوبات لإغرائها بالتوصل إلى اتفاق.
هل تفعلها «إسرائيل» بمفردها؟
لا «إسرائيل» قادرة سياسياً أو عسكرياً على فعلها، ولا نتنياهو على سوية واستعداد لتحمّل مسؤولية اتخاذ هذا القرار. لنقرأ رأي رئيس «الموساد» السابق منير داغان الذي توّلى منصبه أثناء ولاية رؤساء الحكومة اريئيل شارون، وايهود اولمرت، ونتنياهو: «في حياتي كلها لم أرَ نتنياهو يأخذ مسؤولية على عاتقه عن أي شيء. رأيت زعماء توصلوا إلى قرارات وبعد ذلك اعترفوا بأنهم كانوا على خطأ. غير أن الفارق بين نتنياهو والآخرين يكمن في مدى الاستعداد لتحمل المسؤولية عن القرارات. نتنياهو قوي في الأقوال لا بالأفعال».
هل يؤدي خطاب نتنياهو إلى نسف المفاوضات؟
أوباما جزم بأن نتنياهو لم يقدّم أي بدائل. إيران لاحظت بدورها أن خطابه مجرد تكرار لأكاذيب سابقة. وبالتزامن مع خطاب نتنياهو الرامي إلى نسف أي اتفاق محتمل بين الدولتين، التقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في سويسرا لمتابعة التفاوض. وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني قالت إن هناك خطوات جادة اتخذت في المحادثات لافتة الانتباه إلى قرب التوصل إلى اتفاق نووي.
حتى لو افترضنا أن المفاوضات انهارت لأي سبب من الأسباب فإن أقصى ما يمكن أن ينجم عن ذلك هو قيام إدارة أوباما بأبغض «الحلال» لديها: تشديد العقوبات، وهو أمر وضعته طهران في حسبانها وأعلنت أنه لن يحملها على وقف برنامجها النووي.
ما تأثير الخطاب على العلاقات الأميركية – الإسرائيلية؟
تأثيره سيء. بعض المسؤولين الأميركيين قال إنه مدمِّر. مصدر الضرر الأكبر قول نتنياهو إنه ليس بحاجة إلى معلومات حول البرنامج النووي الإيراني تقدّمها له وكالة الاستخبارات المركزية C.I.A. «لأن لنا مصادر أخرى»! فقد فُسرت عبارته الأخيرة بأن «إسرائيل» تتجسس على الولايات المتحدة.
لعل رأي السفير الأميركي السابق لدى «إسرائيل» مارتن أنديك يرسم صورة واقعية عن اثر الخطاب في علاقة الدولة الأم مع ابنتها المدللة بقوله إنها في وضع سيء وهو ما يدعو إلى الحزن، معتبراً أن «إسرائيل» تدخلت في السياسة الداخلية الأميركية الحزبية، وهذا أمر مؤسف.
إنه أمر غير مؤسف بطبيعة الحال لحزب نتنياهو ليكود وسائر أحزاب اليمين «الإسرائيلي». فالخطاب رفع، موقتاً، أسهم الرجل الطامح إلى تجديد ولايته في رئاسة الحكومة خلال الانتخابات الوشيكة المقبلة. ذلك غير مضمون حتى الآن وإن كان غير مستبعد. لكن ثمة سؤالاً ما زال مطروحاً هو أيهما أفضل لـِ»إسرائيل» وقبلها للعالم، التوصل إلى اتفاق مع إيران أم لا؟
البروفسور في أبحاث الانتشار النووي في معهد الدراسات الدولية في منوتري بولاية كاليفورنيا الأميركية افتر كوهين تبرع بجواب لصحيفة «هآرتس» 3/3/2015 المستقلة والأقرب إلى اليسار بقوله: «إن الاتفاق المطروح ليس سيئاً بالنسبة إلى «إسرائيل»، الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، لكنه سيء جداً بالنسبة لنتنياهو. فتوقيع الاتفاق سيسمح لسكان «إسرائيل» بالعيش خلال جيل أو أكثر من دون تهديد بخطر وجودي من جانب إيران، لكنه سينزع من نتنياهو علة وجوده كزعيم».
أما بالنسبة إلى العرب والعالم، فالاتفاق مفيد لأنه يُبعد خطر حرب جديدة وويلاتها عن دول المنطقة وشعوبها، ويرفع عن إيران عقوبات اقتصادية مكلفة، فتغدو أكثر اقتداراً مع سائر دول العرب والعالم على محاربة الإرهاب الذي يستعدي البشرية جمعاء ويلحق أشد الأضرار بالبشر والشجر والحجر في كل مكان.
وزير سابق