هل فهم العرب الدرس الأميركي في أفغانستان؟
} جمال محسن العفلق
لا شيء أصعب من مشاهدة التاريخ والأحداث تعيد نفسها والمتغيّر الوحيد هو الأسماء، أو بمعنى أكثر دقة الأدوات التي تنفذ ما يرسم لها بدون تفكير، وهذه الحالة لا يمكن أن توصف إلا بوصف واحد وهو الغباء الموروث عبر عقود.
أفغانستان نموذج صارخ يمثل سياسة معلنة اتبعها الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية في سعي واضح للسيطرة على الثروات العالمية وإفقار الشعوب ومنع أيّ تطوّر اقتصادي أو علمي مهما كان بسيطاً.
هذا المشهد لا يختلف عن وضع سرطان الاحتلال الصهيوني في قلب الوطن العربي ولا عن قصة العراق الذي تعرّض لجرائم إبادة جماعية على يد المحتلّ الأميركي وبدعم من الرجعية العربية الأداة المموّلة لكلّ جرائم أميركا في المنطقة.
كانت السعودية قد موّلت طالبان والقاعدة قبل الاحتلال الأميركي لأفغانستان بمبلغ يتجاوز ستمائة مليون دولار لدعم تلك المنظمات الأصولية بحجة محاربة المدّ الشيوعي، وما ان جاء الوقت تحوّلت تلك الجماعات من جماعات ثورية مدعومة من الغرب إلى مجموعات إرهابية بعد حادثة الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 فأصبحت تلك الحادثة المشكوك بروايتها سبباً لاحتلال أفغانستان وتدمير ما تبقى منها واستمرّ الاحتلال لعشرين سنه كاملة ادّعت خلالها الولايات المتحدة الأميركية أنها حاربت الإرهاب ومنعت تمدّده، ولكن الواقع يؤكد أنّ أميركا كانت تمارس دور اللص بسرقة ثروات طائلة من أفغانستان، وازدادت في تلك الفترة تجارة المخدرات بنسبة 40% عما كانت علية قبل الاحتلال، وجمعت أميركا أموالاً من الدول الإسلامية وخصوصاً العربية منها لتمويل إعادة الإعمار وإنشاء حكومة قوية وجيش حديث ولكن الواقع اليوم يتحدّث عن جيش مهزوم أمام حركة طالبان التي تستولي على المدن والقرى دون أيّ مقاومة وهذا يذكرنا بالجيش العراقي الذي تدرّب على يد الأميركان وانهزم أمام داعش في وقت قياسي.
إنّ المسرحية التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية لم تختلف على مرّ السنوات والعقود، فالادّعاء بأنها حاملة لمشعل الحرية والعدالة هو العنوان الثابت والأسلوب نفسه في تصنيف الدول من حيث قرب وبعد تلك الدول عن خط السياسة الأميركية التي تسعى للاستحواذ على العالم وتحويل شعوب الأرض الى عبيد خاضعين لها، ولكنها تمارس كلّ هذا عن طريق أذرع اقتصادية وعسكرية لها، أما الذراع الاقتصادي لأميركا هي دول التطبيع العربي التي تخضع خضوعاً كاملاً للأوامر الأمريكية في تمويل الجماعات الإرهابية أو حصار دول عربية اقتصادياً كما يحدث اليوم في لبنان وسورية واليمن والعراق من خلال الضغط الخليجي على الاقتصاد وتمويل جماعات متطرفة ثم الادّعاء بحظرها، وعسكرياً من خلال الكيان الصهيوني وقطعان الاستيطان. وما العدوان على اليمن من قبل التحالف الخليجي الا عمل عدواني لا يبتعد بأهدافه عن الغزو الأميركي للعراق كما تدمير أفغانستان او الحرب في سورية ليأتي حصار لبنان وإيران اقتصادياً متمّماً لنفس المشروع الذي يهدف بالنهاية الى تقسيم المنطقة بما فيها دول الخليج المموّلة للمشاريع الأميركية. ومع هذا يبقى الدرس الأميركي عصياً على الفهم عند البعض ويسيرون فيه دون أيّ اعتراض او مقاومة، وهذا يؤكد أنّ الغباء السياسي في المنطقة أصبح حالة مستعصية لا يمكن علاجها والسبب هو سيطرة مجموعة حاكمة لا يهمّها إلا مصالحها الشخصية وتمثل فقط مصالح المشغلين.
فالنموذج الأفغاني اليوم يمثل صرخة قوية عن حقيقة السياسة المتبعة في إدارة الملفات، فلو بقيت أفغانستان تحت تأثير المدّ الشيوعي ولم تموّل الدول العربية بأمر أميركي طالبان والقاعدة كان العالم وفر على نفسه على الأقلّ منطقة تصنع الإرهابيين وتصدّرهم لدول العالم. فالإرهاب الأسود انتقل من جبال الأفغان الى العراق مع بداية احتلال أميركا للعراق ومن ثم انتشر في المنطقة العربية وهذا الإرهاب الذي دائماً يحدّد أهدافه بناء على مصالح الكيان الصهيوني وأميركا يضرب في كلّ منطقة او عاصمة ترفع شعار فلسطين عربية وتنتمي للمقاومة فكرياً.
والمشهد الاقتصادي في لبنان اليوم هو إرهاب من نوع آخر تديره نفس الدول التي موّلت وتموّل الإرهاب العسكري، واليوم أصبح من الضرورة في مكان وصف كلّ ما يحدث دون مواربة أو دبلوماسية ويملك الكثير من الباحثين وثائق دامغة على أنّ نص المسرحية الأميركية المتكرّر يحمل هدفاً واحداً ليس تمزيق المنطقة والاستيلاء على مقدّراتها وثرواتها فحسب، إنما جعل الشعوب فئران تجارب لنماذج الصناعات العسكرية كما حدث في العراق من خلال قنابل تسبّبت بخلق جيل كامل يحمل أمراضاً غريبة ومن خلال تحويل الشعوب الى مجموعات تقودها غريزة البقاء للخضوع لكلّ ما يطلب منها، فالأمن الغذائي للمنطقة مهدّد اليوم ومياه مصر أصبحت بيد الكيان الصهيوني من خلال سدّ النهضة الذي موّلته السعودية والإمارات وقطر بمليارات الدولارات، وتركيا تتلاعب وبدعم أميركي و»إسرائيلي» بمياه الفرات ودجلة، ومع كلّ هذا ما زلنا نسمع أصوات تطالب واشنطن بالحلّ وتهرول نحو فرنسا أو بريطانية بحجة حماية الأقليات مرة وبحجة الخوف من المدّ الشيعي الذي يتحدث عنه بعض السياسيين والإعلام الخليجي تحت شعار حماية الهوية تلك الهوية التي ضاعت على يد من يدّعون أنهم قادة وزعماء.
إذا لم نفهم الدرس اليوم ونخرج من تحت هذا الرماد فنحن في طريقنا الى الهلاك ولن يكون لنا وطن ننتمي إليه بعد اليوم…