مغدوشة وعنقون وتعكير المياه الصافية
الأحداث المؤلمة التي شهدتها بلدتان تجمعهما علاقة تاريخية متينة هما مغدوشة وعنقون، تكرّر ما يشبهها وأكثر بين عكار العتيقة وفنيدق، وبين عائلات وعشائر بقاعية، لكن كلّ الأصوات التي تناولت هذه الحوادث المشابهة بقيت تركز على أهمية تولي مؤسسات الدولة القضائية والأمنية بسط الأمن وملاحقة المتورّطين، ولم نسمع كلمة قلق على السلم الأهلي من أحد، رغم انّ أحداث فنيدق وعكار العتيقة اتخذت منحى طائفياً بين البلدتين واستعملت فيها أسلحة متوسطة وثقيلة.
بعض الأصوات التي حاولت الدخول بذريعة الحرص على خط أحداث مغدوشة وعين قون، ورأت فيها خطراً على السلم الأهلي وذهب بعضها الى تصويرها استهدافاً للعيش الآمن لمكون لبناني طائفي في بيئة شراكة مع مكونات طائفية أخرى، هي ذات الأصوات التي قادت منطقة شرق صيدا وحاولت توريطها ومنها مغدوشة في حروب طائفية، والتي شكل انسحاب مسلحيها من هذه المنطقة مدخلاً لاستعادة العيش المشترك فيها، وحفظ وجود أهاليها من التهجير الذي حمله مسلحو هذه الأطراف لأبناء مناطق لبنانية عديدة تنقلوا بينها، وشكلوا فيها المصدر الرئيسي لتهديد العيش المشترك، والمفارقة في منطقة شرق صيدا كانت بحجم رفض أهالي وسكان المنطقة لتلبية نداء الحرب التي حملها معهم هؤلاء المسلحون، انطلاقاً من تمسكهم بالعيش المشترك، ومن وجود قيادات سياسية وروحية في هذه البلدات لها كلمة مسموعة تؤمن فعلاً بالعيش المشترك.
بالتوازي كان على الضفة الطائفية المقابلة قيادات وقوى تؤمن بالعيش المشترك، رفضت الاستجابة لإغراء لعبة الكانتونات والمناطق الطائفية الصافية، وكانت حركة أمل والرئيس نبيه بري في طليعتها وشكلت في حروب الثمانينات بوليصة تأمين الحفاظ على الوحدة الوطنية في مناخ الفرز الطائفي المقيت.
المطلوب اليوم أكثر من ايّ وقت مضى النظر لكلّ إشكال أمني مؤسف تنتجه الأزمات المعيشية القاسية وسوء إدارتها من مؤسسات الدولة كافة، باعتباره من ثمار مشروع الفوضى الذي يُراد للبنان السقوط فيه، والابتعاد عن كلّ استثمار طائفي أو فئوي لاستغلال هذه الحوادث بوهم استخدامها بوجه المقاومة وبيئتها، والمطلوب من القوى السياسية والفعاليات الشعبية والدينية في بيئة المقاومة التنبّه لخظورة ما قد يستدرج اليه البعض بضغط إغراء الاستقواء في مناخ الأزمة لتأمين حلول فردية تؤذي العيش المشترك وسمعة قوى المقاومة وبيئتها وتمنح المتربّصين فرصة للإصطياد في الماء الصافية بعد تعكيرها.