فغانستان… بوابة خروج أميركا من غرب آسيا؟
د. عصام نعمان*
لم تشهد الولايات المتحدة الأميركية في تاريخها المعاصر هزيمةً تضارع خروجها المهين والمدوّي من أفغانستان. بعض المراقبين في أميركا وأوروبا يتوقع ألاّ يتوقف الخروج على انسحاب القوات العسكرية من أفغانستان بل ان يتمدّد الى انسحاب «القوات السياسية» من البيت الأبيض، بمعنى خروج الرئيس جو بايدن منه. الخروج السياسي حاصل لا محالة، إنْ لم يكن في المستقبل المنظور ففي الانتخابات النصفية بعد بضعة شهور.
إلى ذلك، لن يقتصر خروج الولايات المتحدة من أفغانستان فحسب. أفغانستان هي بوابة الخروج من منطقة غرب آسيا برمّتها: من شواطئ بحر قزوين في الشرق الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط في الغرب. ليس أدلّ على بدء الانسحاب الأميركي من آثاره وتداعياته على دول غرب آسيا. «إسرائيل» استشعرت مخاطر الانسحاب على أمنها القومي فشدّ رئيس حكومتها نفتالي بينت رحاله الى واشنطن ليتدبّر مستقبل الكيان الصهيوني في غمرة تنامي حركات المقاومة ضدّه في أربع جهات الأرض. الدول الأخرى الصديقة للولايات المتحدة سارعت بدورها الى تدوير زوايا خلافاتها وعقدت على عجل قمة للتعاون والشراكة في بغداد.
غير انّ أعتى المشكلات تلك القائمة والمستفحلة بين الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات. انها مشكلة اللاجئين والفارين بعشرات الآلاف من أهالي أفغانستان الذين تعاونوا مع القوات الأميركية والقوات الأوروبية الأطلسية خلال السنين العشرين من الاحتلال الأميركي للبلاد. بريطانيا أعلنت أنها لن تستقبل أكثر من عشرين ألفاً. النمسا أعلنت انها لن تستقبل أحداً. أنجيلا ميركل تحاور وتناور كي لا تُفرض على ألمانيا أكبر الحصص الأوروبية.
في غرب آسيا، تواجه الولايات المتحدة مشكلات ونزاعات مع حلفائها كما مع خصومها. أبرز الحلفاء تركيا التي لها مخططاتها الخاصة في العراق وسورية وليبيا فضلاً عن أفغانستان ذاتها. ففي العراق تقاتل تركيا بعض فصائل حزب العمال الكردستاني التركي التي انكفأت الى جبال قنديل العراقية حيث تنطلق منها لمقاتلة الجيش التركي.
في سورية، تسيطر تركيا على مناطق واسعة في شمال البلاد وغربها، كما تقاتل قوات «قسد» الكردية السورية التي تسيطر، بدعم من القوات الأميركية المنتشرة في مناطق شرق الفرات، على مكامن النفط والغاز.
باختصار، أميركا تواجه تركيا في سورية حيناً وتتعاون معها حيناً آخر. إنها تعادي الحكومة المركزية في دمشق وتتعاون مع الأتراك والأكراد في كلّ ما من شأنه إضعافها.
الى ذلك، ثمة نزاع شديد وقديم بين أميركا وإيران. صحيح انّ واشنطن في عهد الرئيس أوباما وقعت اتفاقاً نووياً مع طهران. لكن الرئيس ترامب أقدم سنة 2018 على إخراج أميركا منه ما أدّى، بعد فوز جو بايدن، الى عودة البلدين وسائر الدول الموقعة على الاتفاق النووي سنة 2015 الى الإنخراط في مفاوضات متطاولة يصعب التكهّن بموعد انتهائها، خصوصاً بعد خروج أميركا المهين من أفغانستان.
غير انّ الجانب الأكثر حساسية في علاقات الولايات المتحدة مع حليفاتها هو ذلك المتعلّق بدول الخليج. فواشنطن تساند السعودية في حربها اليمنية، وتدعم عملية التطبيع بين «إسرائيل» وبعض دول الخليج. ولا يمكن التكهّن بما ستكون عليه سياستها في هذا المجال بعد خروجها من أفغانستان واتجاه دول الخليج الى تحسين علاقاتها مع إيران.
باختصار، خروج الولايات المتحدة من أفغانستان يضعها امام تحديات شتى في مستقبل علاقاتها مع دول غرب آسيا، إلاّ انها تبدو حريصة ايضاً على عدم التخلي عن حلفائها الإقليميين، لا سيما في وجه كلٍّ من إيران وتركيا. خلال هذه المرحلة الانتقالية، ستشتدّ الصراعات السياسية بين الولايات المتحدة من جهة وحلفائها الإقليميين من جهة أخرى، كما ستشتدّ الصراعات السياسية، وربما الأمنية أيضاً، بين حلفائها الإقليميين أنفسهم الأمر الذي يمنح الدولتين الأقوى بينهم ـ إيران وتركيا ـ هامشاً واسعاً من حرية العمل والمناورة.
أما داخل دول غرب آسيا التي تعاني اضطرابات أمنية ونوازع انفصالية، فإنّ سياسة الولايات المتحدة ستبقى في الغالب على ما هي عليه: دعم الحركات الانفصالية في العراق وسورية واليمن وذلك في سعيها الى إقامة أنظمة سياسية فيدرالية أو كونفدرالية، وذلك على حساب الوحدة الوطنية والسياسية لتلك الأقطار الأمر الذي يخدم سياسة «إسرائيل» القديمة الجديدة التي تهدف الى تصديع المحيط العربي حولها وإضعافه بإقامة جمهورية موز على أساس قَبَلي او مذهبي او اثني.
كيف ستردّ حركات المقاومة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ