الأميركي ومعادلة «الخسارة الممكن إلحاقها بحزب الله هي أن ندعه يربح»!
ناصر قنديل
– وصل الأميركيون بعد عشرين عاماً إلى قناعة في أفغانستان أن إلحاق الهزيمة بحركة طالبان مستحيل، طالما بقي الأميركيون قوة احتلال في أفغانستان، وبقيت الحكومة التي يرعونها وينفقون عليها المليارات مجرد حكومة عميلة غارقة في الفساد، وأن الإصرار على هزيمة طالبان سيعني منحها فرصة الانتصار الكامل لأنها تستثمر على صفتها المتنامية كقوة مقاومة للاحتلال والحكومة العميلة التي نصبها على أفغانستان، وأن الخسارة الواقعية التي يمكنهم إلحاقها بطالبان تتوقف على أن يتقبلوا هزيمتهم أمامها، وتجرع مرارة كأس الانسحاب من دون شروط، فتنال طالبان هدف الوصول الى الحكم، وتنأى واشنطن بنفسها عن الخسارة الأكبر، وتتقبل التعامل عن بعد مع أفغانستان وهي ترى كيف ستنفتح عليها الصين وروسيا وإيران، وكيف تتبلور صورة جديدة لشمال شرقي آسيا، لم تكن واشنطن ترغب برؤيتها لكنها أقل الخسائر.
– في التعامل مع حزب الله تبدو الصورة أشد تعقيداً، لارتباط موازين قوة حزب الله بأمن كيان الاحتلال الذي يحتل مكانة أولى في السياسات الأميركية تجاه المنطقة، لكن ذلك لا يخفي الارتباك الأميركي أمام كيفية التعامل مع حزب الله، بعدما صارت الحرب شبه مستحيلة، في ظل قناعة أميركية «إسرائيلية» بأنّ ما لدى حزب الله كاف، في حال اندلاع حرب، لتشكيل تهديد وجودي على كيان الاحتلال، وبذلك تحوّل الرهان على اتباع سياسة تدفع بلبنان نحو الانهيار عبر إيقاف تجاوب الصناديق المالية الدولية التي تحركها القرارات الأميركية مع طلبات التمويل اللبنانية، بعدما أدمن النظام المالي اللبناني عليها وصار مهدّداً بالسقوط بمجرد توقفها، وعبر إيقاف كلّ طريق تمويل جانبي كانت تؤمنه دول الخليج، بما في ذلك حركة السياح الخليجيين والودائع الخليجية نحو لبنان، وكان الرهان أن يقود الانهيار إلى القول لحزب الله إن لبنان سيسقط على رأسه، وإن سلاحه سيفقد قيمته، وإنّ التسليم بجعل هذا السلاح ودوائر تأثيره في موازين القوى مع كيان الاحتلال، موضوعاً للتفاوض هو أقلّ الخسائر لتجنب السقوط الكبير.
– قالت التجربة الواقعية إن هذا الطريق تحوّل بالنسبة لحزب الله من تحد إلى فرصة من بوابة سفن المحروقات الإيرانية، وهي فرصة مزدوجة، فمن جهة تقول هذه السفن كما قرأ «الإسرائيليون» إنّ حزب الله يتميّز عن الآخرين في الداخل والخارج بأنه لا يكتفي بالأقوال، بل يملك أفعالاً تخفف المعاناة ولو لم تشكل حلاً كاملاً للأزمة، ومن جهة موازية تقول مسيرة السفن إنّ مدى الردع الذي بناه حزب الله على البر يتحوّل على مدى بحري واسع ممتد من موانئ إيران عبر المضائق والبحار إلى الساحل اللبناني، لأنّ أيّ اعتراض لمسار السفن عسكرياً سيؤدي إلى الحرب التي يسعى الأميركي و»الإسرائيلي» إلى تفاديها، وبات واضحاً أن المزيد سينتج المزيد المعاكس، وأن الإصرار على جعل حزب الله يخسر ينتج العكس ويجعله يربح أكثر، كما هو توصيف تجربة ما بعد القرار 1701، الذي بدلاً من أن ينتهي بتقييد قوة حزب الله، نجح حزب الله بمضاعفة قوته في ظل هذا القرار، وحال الرهان على الحرب على سورية وتأثيرها في قوة حزب الله في المنطقة، بحيث تحولت هذه الحرب إلى مصدر لتنامي قوة حزب الله الإقليمية بعدما كان الرهان على جعلها مصدراً لاستنزافه وتشتيت قواه، ولم يعد خافياً أن النقاش الأميركي حول لبنان قد بدأ، وعلامات البداية بما قالته السفيرة الأميركية في بيروت عن نوايا وتوجهات لإعادة النظر بمنظومة العقوبات التي يفرضها قانون قيصر على العلاقات اللبنانية- السورية، لتسهيل استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية، من جهة، ومن جهة مقابلة ما قاله السيناتور الأميركي كريس ميرفي، والذي يشغل رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، قبيل زيارة وفد من الكونغرس برئاسته إلى بيروت، “أن الولايات المتحدة يجب أن تخفض أولوية الردع الإيراني وتحث المملكة العربية السعودية على «التصالح» مع نفوذ حزب الله في لبنان”. وهذا النوع من السياسات يعني صرف النظر عن الرهان السابق على إسقاط لبنان أملاً بأن يسقط على رأس حزب الله، تسليم بالقلق من أنّ لبنان يتجه بسبب هذه السياسات للسقوط في حضن حزب الله، كما قال “الإسرائيليون”.
– تستشعر أميركا أنها تدخل مرحلة جديدة في العالم، ليست فيها فرضيات الربح، بل المفاضلة بين خسارة أعلى وخسارة أدنى، وأن مقابلها أعداء وخصوم دخلوا مرحلة تصبح فيها كل سياسة أميركية تجاههم هي فرصة ربح، وعليها أن تختار بين منحهم فرصة الربح الأعلى أو الربح الأدنى، وبعدما كانت معادلة رابح رابح تعني في الماضي الربح المتبادل لطرفي الصراع عبر التسويات، صارت معادلة رابح رابح تصح في حال خصوم واشنطن، الذين سيربحون مهما كانت عليه الحال في السياسات الأميركية، وفي حالة حزب الله تبدو الأمور شديدة الوضوح، ويبدو أن أفضل فرص إلحاق «الخسارة» بحزب الله هي بتركه يربح من دون مواجهة، فإذا كانت النظرية التي تفسر طلب الاستقالة من الرئيس السابق سعد الحريري قبل سنتين، هي ترك حزب الله يواجه الأزمة وجهاً لوجه، ليدق الباب متوسلاً طلباً للتفاوض، تبدو النظرية السائدة أميركياً اليوم هي تسريع قيام حكومة يبذل حزب الله جهوده لولادتها وتركه يربح بولادتها، بما تعني من زوال لمرحلة الضغوط الشديدة على لبنان، أملاً بأن تحول دون إطلاق يد حزب الله في تقديم نموذج مختلف يظهر للبنانيين إمكانية تقديم حلول، قد تكون الاستثمارات الصينية وجهتها النهائية.