اضطرابات معان: هل وصل «الربيع العربي» إلى الأردن؟
حميدي العبدالله
تجاهل الإعلام العربي الأحداث التي تشهدها مدينة معان الأردنية، على رغم أن هذه الأحداث لا تختلف كثيراً عما جرى ويجري في دول أخرى مثل سورية ومصر وتونس وليبيا قبل إسقاط نظام القذافي. وواضح أن التجاهل الإعلامي لأحداث معان لم يكن وليد الصدفة، فثمة دول عدة تتقاطع مصالحها ورؤيتها لما يجري في عاصمة المنطقة الجنوبية من الأردن، ولاسيما لجهة الأمل بوقف هذه الأحداث والسيطرة عليها من قبل السلطات الأردنية. فالدول الغربية ودول الخليج ترى أن الاستقرار في الأردن يخدم مصالحها، الدول الخليجية ترى أن الأردن يشكل سياجاً يحميها من تدفق المسلحين، لا سيما أولئك الذين يناهضون الأنظمة العائلية الحاكمة، والسعودية في مقدم هذه الأنظمة المتضررة من غياب الاستقرار في الأردن، أو حصول تغيير في طبيعة النظام لأن الأردن يشترك مع السعودية بحدود برية واسعة نسبياً.
أما الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، فإنها ترى بالاستقرار في الأردن حاجة ملحة لحماية خط وقف إطلاق النار مع الكيان الصهيوني على امتداد جبهة الضفة الغربية التي يصل طولها إلى حوالى 650 كيلومتراً. وأي اضطراب في الأردن قد يحمل معه إمكانية خلق بيئة يستفيد منها اللاجئون الفلسطينيون، بالتالي يمكن أن تشكل ممراً ومعبراً لأعمال فدائية للضغط على قوات الاحتلال في الضفة الغربية.
أما سورية والعراق، وهما جارا الأردن اللذان ذاقا الأمرين جراء احتضان الأردن للجماعات التكفيرية المتطرفة، فإنهما لا يريدان أيضاً أن يتحول الأردن إلى قاعدة ومعقل للجماعات الإرهابية، على رغم تقاعس السلطات الأردنية في مواجهة الجماعات المتطرفة، وتحوَّل الأردن الآن تحت تأثير ضغط الدول الخليجية والدول الغربية إلى داعم لوجستي للجماعات التكفيرية المتطرفة للقيام بالكثير من الأعمال الإرهابية في سورية والعراق. تقاطع المصالح والرؤى الذي يتلاقى عند ضرورة أن لا يتقوض الاستقرار في الأردن هو الذي يفسر تراجع الاهتمام الإعلامي بما يحدث الآن في معان، ولكن هذا التجاهل لا يلغي أهمية ومستوى تأثير هذه الأحداث على الوضع في الأردن، بالتالي التداعيات التي يمكن أن يتركها على الوضع في المنطقة وتحديداً في الدول المجاورة للأردن.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى المسائل المهمة التالية:
أولاً، مدينة معان كانت دائماً حاضنة لتحركات شعبية أفضت إلى «ربيع أردني» حقيقي وليس مثل الربيع العربي الحالي، حدث هذا في نهاية عقد الثمانينات عندما شهدت مدينة معان التي كانت في السابق معقلاً للنظام أول انتفاضة شعبية، وكانت هذه الانتفاضة ربيعاً أردنياً حقيقياً لأنها:
كانت تعبيراً عن إرادة شعبية خالصة ولم يكن للدول الأجنبية، الخليجية أو الدول الغربية، أي دور فيها يشبه الدور الذي قامت به هذه الدول في مصر وتونس وليبيا وسورية والعراق.
أدت هذه الانتفاضة إلى إعادة إحياء الحياة البرلمانية في الأردن التي توقفت منذ عقد الستينات، وتحديداً بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية التي كانت جزءاً من المملكة الأردنية.
ثانياً، لم يكن للجماعات التكفيرية المتطرفة أي دور في تلك الانتفاضة الوطنية الخالصة، بالتالي لم يكن هناك خوف من أن تؤدي هذه الانتفاضة إلى مضاعفات سلبية مثل المضاعفات التي رافقت ما يسمى «الربيع العربي» جراء الدور الذي اضطلعت وتضطلع به هذه الجماعات التكفيرية.
ثالثاً، أفضت الانتفاضة إلى تغيير سياسي فعلي، حتى وإن لم تؤد إلى سقوط النظام، ولم تسهم ولا على أي نحو بتقويض الاستقرار في هذا البلد الذي يواجه أخطاراً وتعقيدات كثيرة بسبب علاقاته مع الكيان الصهيوني والدول الغربية، واستضافته لملايين اللاجئين الفلسطينيين.
اليوم يصعب تقييم ما يجري في معان على النحو ذاته الذي كانت عليه انتفاضة معان الأولى في نهاية ثمانينات القرن الماضي، فثمة أسئلة مقلقة تطرحها الأحداث الجارية في معان:
هل وصل «الربيع العربي» بنسخته المصرية والليبية والسورية إلى الأردن؟
هل ما يجري هو الرد على عدم قيام السلطات الأردنية بعمل حاسم لمصلحة تحالف الدول التي تستهدف سورية، وترددها في فتح حدودها على مصراعيها على غرار تركيا؟
أين تكمن المطالب الحقيقية لسكان معان، وأين يجري استغلالها من قبل الجماعات المتطرفة؟
أسئلة من الصعب الإجابة عليها ببساطة.