حلف المقاومة نحو الحسم قبل الانتخابات الأميركية استنفار واشنطن وحلفائها لمقايضة التوقيت
كتب المحرر السياسي:
كل شيء يوحي في سورية والعراق، أنّ قراراً كبيراً بعزل الحرب على «داعش» و«النصرة» عن مشاريع التفاوض والتطلع نحو التسويات للملفات الإقليمية والدولية العالقة، فحلف المقاومة قرأ منذ بداية التسليم الأميركي بخسارة الحرب على سورية، حجم الترابط الذي يريده الأميركي بين كلّ الملفات وربطها، بصورة تجعل مستقبل سورية والعراق في المواجهة مع تنظيم «القاعدة» بمفرداته المختلفة، مرتبطاً بتنازلات يجري تقديمها في الملف النووي الإيراني، أو في ملف صراع المقاومة مع «إسرائيل» وميزان الردع الذي يحكم هذا الصراع.
الرهان الأميركي على تسليح وتكوين معارضة سورية يسمّيها بالمعتدلة سقط منذ تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما باعتبارها مجرّد وهم غير قابل للتحقق، لكن بموازاة ذلك لم يكف الأميركيون عن السعي لتجميع وتشريع ورعاية مجمعات عسكرية تقاتل في سورية وتحظى بالعناية الأميركية، وبالدعم المالي والاحتضان من حلفائها، وبالدعم العسكري المباشر من واشنطن، كما كشفت الصحافة الأميركية عما قدّمته وزارة الدفاع الأميركية لـ«حركة حزم» قبل شهور قليلة، وكما يقول التفاهم التركي الأميركي على تسليح وتدريب مقاتلين ينتمون إلى المعارضة.
الرهان السعودي التركي القطري على «جبهة النصرة» والسعي إلى تقديمها بديلاً مقبولاً كعنوان للمعارضة المعتدلة لم يكن بعيداً عن الرضا الأميركي، والاحتضان «الإسرائيلي» لـ«النصرة» واضح، وانفتاح حلفاء أميركا عليها واضح أيضاً، ومثل كلّ ذلك الرهان على نجاح «إسرائيل» بتشكيل عائق حقيقي أمام أيّ تقدّم وازن للجيش السوري في محافظات الجنوب.
كذلك الرهان الأميركي على ممانعة العشائر العراقية الشراكة في الحرب على «داعش» وتشجيع السعودية على تعطيل أيّ شكل من هذه المشاركة والصمت على الدعم التركي لـ«داعش»، كلها في سياق واحد يريد جعل مفتاح الحرب على «داعش» في يد واشنطن، مقابل تسليم سوري عراقي، واستطراداً إيراني بالعجز عن النجاح في حرب إنهاء «داعش» من دون الرضا الأميركي.
تريد واشنطن أن تصرف سند الرضا الذي تنتظر التسليم الإيراني العراقي السوري به، في ثلاثة اتجاهات، الأول في المفاوضات مع إيران لتعديل الوجهة والمدى في البنود العالقة، الثاني رسم صياغة تفاوضية لمستقبل الحكم في سورية والعراق يحفظ لواشنطن وحلفائها أحجاماً وأدواراً، ويحفظ لـ«إسرائيل» موقعاً متقدماً في ميزان القوى الإقليمي بمقدار نجاحها في رسم خطوط حمراء للتقدم السوري نحو درعا والقنيطرة، أما الثالث فهو التحكم بتوقيت المعركة الفاصلة مع «داعش» لربطها بالاستحقاق الانتخابي الأميركي، الذي تراهن إدارة أوباما على توظيف نصر بحجم إنهاء «داعش» لرفع أسهمها الانتخابية فيه.
أصرت إيران مراراً على حصر التفاوض بملفها النووي وعزله عن الملفات الإقليمية والدولية التي تنتظر التسويات، ووصل حلف المقاومة وفي قلبه إيران وسورية والعراق وحزب الله، إلى اليقين بأنّ الطريق الوحيد لإنهاء الالتباسات المحيطة بملفات المنطقة ووضعها على سكة الوضوح، هو إثبات قدرة الحلف على تغيير قواعد الاشتباك مع «إسرائيل» ورفع سقف ميزان الردع بما يسمح بإطلاق عملية عسكرية متدحرجة جنوب سورية لتقدم الجيش السوري نحو درعا والقنيطرة، والبدء في تنفيذ خطة متكاملة لتتقدم نحو مواقع «داعش» و«النصرة» وتهديدها في جبهات سورية والعراق، وتوفير مقومات تسمح بتحقيق الانتصارات والإنجازات في حرب لا تحتاج ولا تنتظر أيّ شكل من رضا الأميركي، ولا أيّ نوع من أنواع الشراكة لحلفائه.
ما تشهده جبهات سورية والعراق، هو ترجمة لهذا القرار، ولذلك تتراكم الإنجازات العسكرية في جبهات القتال كافة، بصورة أثارت ذعر الأميركي واستنفرت حلفاءه، فالكلّ يستشعر معنى نجاح حلف المقاومة بتطهير سورية والعراق من وجود «داعش» و«النصرة» قبل نهاية العام، وحرمان الأميركي وحلفائه من شطيرة من كعكة النصر، وفي الوقت نفسه ترك الباب لهروب مقاتلي «داعش» و«النصرة» نحو خطوط حدودية ستكون حكماً باتجاه الأردن وتركيا والسعودية، وبعضها قد يكون معبراً موقتاً لعودة المقاتلين الوافدين من الغرب إلى البلدان التي جاؤوا منها، ولذلك يرتفع بالتزامن مع انتصارات حلف المقاومة الصراخ والعويل من هول هذه الأخطار.
مصادر رفيعة في حلف المقاومة، أكدت لـ«البناء» أنّ التصعيد الأميركي الإعلامي ضدّ حزب الله وسورية وإيران والحكومة العراقية، والحديث بلغة تنتمي إلى مرحلة ما بعد حرب القصيْر، وتناغم حلفاء واشنطن مع جوقة التصعيد، تعبير عن الضيق والغيظ مما يجري، ومحاولة للضغط أملاً بمقايضة توقيت المعارك الحاسمة بصورة منسّقة.
المصادر قالت، إن لا مانع من التنسيق، شرط ألا تترك سورية والعراق تدفعان فاتورة الدم لحساب اللعبة الانتخابية الأميركية، فمن يريد الشراكة في حلف لمكافحة الإرهاب عليه إثبات صدقية الانتماء إلى هذا الحلف، حيث لا مكان لمن يميّز «النصرة» عن «داعش»، ولا لمن يحالف من يمدّ «داعش» و«النصرة» بالمال والسلاح ويسوّق لهما، والكرة في الملعب الأميركي، وحتى تبلور جواب عملي عن الجدية في محاربة الإرهاب، تبقى أميركا خارج هذا الحلف الذي يترجمه أركان جبهة المقاومة ميدانياً ويحقق الإنجازات.
بالتزامن مع هذه التطورات شهدت جبهة جرود عرسال وبعلبك والهرمل، تثبيتاً للمواقع من قبل الجيش اللبناني، واستكمالاً للجاهزية لتحقيق قفزات جديدة، بينما كان الجيش السوري يشدّد الخناق على المجموعات المسلحة في القلمون ويصطاد عدداً من مقاتليها في غاراته على بلدة فليطة، بينما تتهيأ المنطقة لمواجهات قريبة، بتكامل التحضيرات بين أطراف مثلث الجيشين اللبناني والسوري وحزب الله.
فيما لا تزال حال الاسترخاء تسيطر على الساحة السياسية، يشهد الأسبوع الطالع جلسة نيابية جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية، هي العشرون في هذا المجال، لكنها ستكون كسابقاتها التي فشلت في انجاز هذا الاستحقاق. وبرزت في هذا السياق مواقف لقوى في 14 آذار وأخرى «وسطية» تؤكد أن لا انتخابات رئاسية قبل الاتفاق الإيراني والأميركي المنتظر. في حين أكد حزب الله «أن لبنان ليس في أجندة الاتفاقات الدولية والإقليمية في هذه المرحلة، لذا علينا أن ننجز خيارنا بأيدينا ونستطيع أن ننتخب رئيساً للجمهورية غداً».
حزب الله: ليلتزم السفير الأميركي الآداب
وفي سياق متصل، ورداً على مهاجمة السفير الأميركي في لبنان ديفيد هِلْ المقاومة، أكدت مصادر مطلعة لـ «البناء» أن الكلام الأميركي هو نوع من الحرب النفسية التي يشنها الأميركيون في مرحلة التحضير للاتفاق النووي الإيراني»، مشيرة إلى «أن الأميركي لا يريد الظهور بمظهر المهادن لحزب الله، بعد توقيع الاتفاق النووي، ويعمل على إجهاض مفاعيل التسريبات التي وردت على لسان أكثر من وسيلة إعلامية أوروبية أن أميركا تنظر بعين الرضا إلى دور حزب الله في محاربته الإرهاب من سورية إلى العراق». وشددت المصادر على «أن لا مفاعيل سياسية لكلام هِلْ لا من قريب ولا من بعيد».
واعتبر حزب الله على لسان عدد من نوابه ومسؤوليه «أن آخر من يحق له الكلام هو السفير الأميركي والأميركيون الذين صنعوا الإرهابيين والتكفيريين وزودوهم بالسلاح وسهّلوا عملهم وجعلوهم قوة قادرة على خطف العسكريين وتهديد أمننا». وأضافوا: «هذا السفير حاول الإساءة إلى اللبنانيين بالافتراء على بعضهم، وهنا نقول لقد بات لزاماً على هذا السفير الذي يتصرّف وكأنه في دولة بلا سيادة، أن يلتزم الأعراف والآداب الدبلوماسية، ففي هذه الدولة رجال لا يمكن لأحد أن يرفع ستر الحسناء فيها، وأمّا ادعاؤه بأننا نملك قرار الموت والحياة، فنقول له إنه من حقنا أن نمتلك قرار الحياة، لأنك تفرض وحليفتك «إسرائيل» قرار الموت علينا، ومن حقنا وواجبنا أيضاً أن نحمل بأيدينا الحرة قرار الحياة للبنان واللبنانيين ولشعوب المنطقة، وقد أظهرنا للجميع أننا بدمائنا كتبنا حياة جديدة للبنان واللبنانيين ولشعوب المنطقة».
وشدد حزب الله على «أن تبييض صفحة جبهة النصرة التكفيرية عبر الدعوة لفصلها شكلياً عن تنظيم القاعدة يُشكّل عودة إلى الرهانات القاتلة». وأكد: «أن لبنان ليس في أجندة الاتفاقات الدولية والإقليمية في هذه المرحلة لذا علينا أن ننجز خيارنا بأيدينا وخيارنا واضح نستطيع أن ننتخب رئيس للجمهورية غداً».
إلى ذلك، يعيش عدد من الوزراء جواً يوحي أن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور، من خلال إشارتهم إلى «أن تمديد المجلس النيابي لعام 2017 يعني أن الحكومة باقية إلى عام 2017 وأن الرئاسة ستنتظر إلى ذلك الحين».
وشددت مصادر مطلعة لـ«البناء» على أن الانتخابات الرئاسية لا تزال بعيدة، نظراً لعدم تسليم الفريق الآخر بوصول صاحب الحق إلى سدة الرئاسة وفقاً للمعايير المتبعة في لبنان أن الرئيس يجب أن تختاره طائفته أو غالبيتها». وأشارت المصادر إلى أنه «لا يمكن لفريق 8 آذار الحريص على لبنان موقعاً وسيادة، أن يعيد تكرار تجربة الرئيس التوافقي».
في غضون ذلك، أكد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي أنه «آن الأوان لكي يقف اللبنانيون،لا سيما النواب والكتل السياسية أمام ضميرهم وأمام الله، وليدركوا فظاعة عدم انتخاب رئيس للدولة وما يتسبب به من شلل للمجلس النيابي الذي مدد لنفسه وفي الوقت عينه عطل نفسه بعدم انتخاب الرئيس. وليدركوا أيضاً فظاعة الفراغ الرئاسي الذي يضع الحكومة في أزمة مع نفسها، ويعطل التعيينات، ويفرغ السفارات اللبنانية من سفرائها، ويحول دون أن يقدم سفراء الدول أوراق اعتمادهم».
استعدادات لتنفيذ خطة الضاحية
من جهة أخرى، وبانتظار جلسة الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله في 18 من الشهر الجاري تجري الاستعدادات لتنفيذ الخطة الأمنية في الضاحية الجنوبية وبيروت، وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» «أن حزب الله دعا على لسان مسؤوليه مراراً وتكراراً الدولة إلى تحمل مسؤوليتها وتطبيق القانون في الضاحية، إلا أنها لم تستجب لذلك»، وأشارت مصادر 8 آذار إلى «أن بعض المتمسكين بالقرار يومذاك لم يكن في مصلحتهم تنفيذ الخطة الأمنية، فهم راهنوا على الفوضى لمحاصرة حزب الله والمقاومة إلا أنهم لم ينجحوا في ذلك». وأشارت المصادر إلى «أن الخطة تقوم على حفظ أمن المواطنين وتطبيق القوانين، ومنع المخالفات والتعديات».
وكانت الضاحية الجنوبية لبيروت شهدت يوماً أمنياً كثف خلاله الجيش حواجزه الثابتة والمتنقلة لتعزيز الوضع الأمني في المنطقة وتوقيف المطلوبين.
بيان النيات بين «الوطني الحر» و«القوات»
وعلى خط حواري آخر، يسلم مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية ملحم رياشي في اليومين المقبلين مع عودة أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان من فرنسا مساء اليوم، رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، مسودة بيان النيات. وأشارت أوساط المتحاورين إلى «أن لقاء العماد عون ورئيس حزب القوات سمير جعجع، ينتظر موقف الجنرال عون من بيان إعلان النيات الذي أنهى جعجع إبداء ملاحظاته عليه».