الرفيق المناضل عبدالله أيوب
كنت عرفت الرفيق عبد الله أيوب، مقيماً في «شكا» وناشطاً حزبياً في منفذية البترون، وقبل ذلك كان انتمى في طرابلس وتولى مسؤوليات حزبية على ما يورده الأمين جبران جريج في مجلدات «من الجعبة».
في الفترة التي أقام فيها الأمين جبران جريج في بتعبورة(1) نشط الرفيق عبد الله أيوب، وهذا ما توضحه رسالته الموجهة الى الأمين جبران جريج، والواردة في الصفحة 685 من الجزء الرابع من مجلدات «من الجعبة»
*
«بعد إتمام العمل الحزبي في مديرية «الحاكور» حيث قضيت هناك أكثر من أسبوع أتجوّل في منطقة عكار (القاطع) عقدنا اجتماعاً عاماً في حرش «ون موره»، وهذا يقع على جبل فوق قرية الحاكور وكان ذلك يوم الجمعة، ويوم السبت عقدنا اجتماعاً عاماً على ضفاف «نهر عرقة» وكان صدى هتافنا يملأ الفضاء وعند الساعة الخامسة مساءً توجهت الى «المينا» وفيما أنا في منزل خطيبتي (اليوم زوجتي) إذ بأحد الرفقاء من الحاكور مع شقيق الرفيق جوزيف يحضر لعندي ويخبرني ان قوى الدرك داهمت «الحاكور» وألقت القبض على أكثر الرفقاء، وهم يطالبون بك حياً او ميتاً، وبعد ان ذهب الرفيق وهو سلامة الخوري شقيق الرفيق إبراهيم الخوري مدير المديرية وهو اليوم في البرازيل(2) مع شقيق جوزيف، أكملت طعامي وذهبت الى منزل أحد الرفقاء، حيث بت عنده، وفي الصباح الباكر توجهت مشياً على الأقدام من البيت على شاطئ البحر حتى محلة «أبو حلقة» حيث تعمشقت على مؤخرة (حنتور) عربية خيل من مدخل شكا ومن هناك توجهت الى منطقة القويطع وقبل دخولي قرية كفريا شاهدت بعض جنود من الجيش الفرنسي في الوادي على التلول ظننت انهم يقطعون الطريق لإلقاء القبض عليّ، فدخلتُ بين أشجار البلوط صاعداً التلّ ودخلتُ «كفريا» ومنها توجهت صوب «كفرحاتا» وأنا على الطريق شاهدتُ أحد أبناء عائلة السودا، شقيق الرفيق زاهي السودا. فقال لي لا تخف وصلتَ على محلّ الأمان. دخلت «كفرحاتا» وتوجهت نحو دكان وطلبت قدحاً من الماء وإذا بالرفيق المرحوم جبور هناك مع بعض الرفاق أخبرتهم بالقصة فأخذني المدعو (أبو سلمى) لمنزله لأنه كان يحمل عصا يسمّيها (سلمى) أظن على اسم زوجته. في المساء بتُ ليلتي في منزل الرفيق إبراهيم بشاره(3) في الصباح حضر لعندي المرحوم الرفيق نقولا فرح الذي أخذني الى «بتعبورة» حيث قابلت الأمناء جبران جريج ومأمون أياس وكانوا على مائدة الطعام. بقيت معهم مدة 15 يوماً.
أذكر أننا ذهبنا الى «بترومين» ومنها نزلنا الى «أبو حلقة» حيث أخذنا سيارة لبيروت وكان السائق من «المينا» اسمه إبراهيم حيث تجمعنا كلنا في البيت السري، وكان جارنا أحد الرفقاء من الشرطة من بيت حلاوي(4) هناك تعرفت على الرفيق فارس معلولي(5) وغيره من الرفقاء ومنهم الأمين أسد الأشقر الذي كان يزورنا من حين الى آخر حتى إلقاء القبض علينا وإدخالنا سجن القلعة المركزي، وكنت كلّ مدة إقامتي في السجن مع الأمين مأمون أياس وبطرس كيروز (الشهيد لاحقاً) والرفيق حنا من كفر حزير لم أذكر اسمه الأول في يوم المحاكمة.
أثناء التحقيق كان همّي الوحيد هو تبرئة رفقائي من مديرية الحاكور وكان عددهم كبيراً، كنت أعتقد جازماً ان لا خلاص لي فلا يهمّ بعض سنين زيادة ـ فكانت لي أول مقابلة مع المحقق الافرنسي، قابلني بكلّ إنسانية وقال لي أنت أكبر فوضوي وأكبر مشاغب في البلاد وحتى أعاملك كإنسان على شرط ان تحكي لي كلّ ما تعلم وكلّ ما عملته ولماذا أنتم السوريون القوميون تكرهون فرنسا وأنا أساعدك. فرأيت كلامه فرصة لي أن أطلب منه وعداً بإطلاق سراح جميع رفقائي من الحاكور لأنهم أبرياء وأنا المسؤول عنهم، وعن أعمالهم، فأعطاني هذا الوعد ولكن بعد المحاكمة، ويكون الحكم خفيفاً عليهم جداً وهكذا كان ستة أشهر لكلّ منهم.
فقلت له أنا المسؤول عن جميع الاجتماعات في كل عكار ومسؤول عن كلّ القوميين وعليّ تقع المسؤولية. جميع المنشورات كنت أنا أوزعها وأنتقل بين القرى سيراً على قدمي.
أما كرهنا لفرنسا فهذا غلط كبير يقع فيه رجال أمثالكم، نحن نحب فرنسا لأنها أمّ الحرية في العالم، ولكننا نكره حكم فرنسا لأنها فرّقت بلادنا باتفاقها مع حليفتها بريطانيا، وأذكر بعد تلك الجلسة لم أقابله سوى جلسة واحدة يظهر انه اكتفى بما سمعه لأني كنت صريحاً معه جداً.
يوم المحاكمة وعند محاكمتي أذكر انّ المدعي العام الإفرنسي قال عني، إني أتأسف لأنّ القانون لا يساعدني على ان أطلب الحكم على المدعو عبد الله أيوب بأقصى العقوبة وقد حكم عليه 10 سنوات سجن و 10 نفي مع خمسة آلاف فرنك إفرنسي.
في الطريق الى السجن، العرض المغري:
قرب الظهر دعينا للذهاب الى مركز الشرطة العدلية في بناية للشرطة في وسط ساحة البرج. هي بناية كبيرة، ذات طابقين يقع مكتب الشرطة العدلية في الطابق الثاني. كان مرافقي إليه مفتش في الأمن العام يدعى «سليم الداهوك» من بعقلين الشوف. كان صديقاً للحركة ولي به معرفة سابقة وثيقة، كنا، قبل إعلان الحرب بأسبوع او أسبوعين، نعمل معاً لحلّ مشكلة عائلية اجتماعية. تظاهرت بعدم معرفته، كان موقفه مني معاكساً لموقفي منه مما أذهلني.
ما كدنا نعدو خارج النظارة في طريقنا الى الشرطة العدلية وهو يقبض على القسم الآخر من «الكلبشا» بيد، تاركاً يدي الأخرى حرة حتى صبّ عليّ رشقاً من لغة «الأمن العام» من أمثال «يلعن دينكم كيف علقتوا»؟ كاف سين على هذه الظروف، كنتم في القمة، هازين الأرض، كل الناس معجبة بكم! هيك، هيك!! على أهون سبيل! إلخ…
تحفظت تجاه عواطفه النارية فما بدرت مني حركة تنمّ عن أية ردة فعل نحوها، ختمها بعرضه علي مشروع فرار وهو بمعيتي. قال: «نركب سيارة ونأمرها ان تذهب أنى نريد، نهرب ونعيد نشاطنا – مع انه ليس عضواً في الحزب – لا ندع لهؤلاء، أولاد القحبة، مجالاً لأن «يبتكوا فينا، يلا قرّر، بت، قل كلمة». عندئذ، ما وجدت مناصاً من الجواب.
أثار عرضه كوامن الحرية في نفسي وهزني هزاً عنيفاً. الفكرة تغري وتغوي. لو عرض ان يفلتني لقلت ان وراء الاكمة ما وراءها، لكنه عرض ان يبقى معي، وبالتالي يتنازل عن وظيفته ويتحمّل في الوقت نفسه مسؤوليتين: مسؤولية التخلي عن واجبه الوظيفي ثم مسؤولية تواطئه معي في الهرب. اقتنعت انه صادق، انه ما يزال صادقاً كما كنت أعرفه. أجبته ونحن قد صرنا قرب مدخل المبنى «بالرجعة أجاوبك».
صعدنا درج المبنى الخارجي ثم درج الطابق الثاني الداخلي وسرنا في الممشى العريض الى مكتب الشرطة العدلية حيث أخذ لنا مأمور هناك بعض الصور، مواجهة وجانبية، أخذ بصمات الأصابع كلها وبالأخص الإبهام، قفلنا راجعين الى حيث كنا أي الى نظارة البرج، ما فتحت له موضوع عرضه لأسبر غوره. ما كذب ظني. عاد يقدّم العرض نفسه وهو يتباطأ في السير. بالأحرى عاد يحرّضني بكلّ ما لديه من حجج للإقناع. فكرت بسرعة فالوقت مداهم. قرّرت عدم الاستجابة.
ما تحمّل وجداني مسؤولية خسارة وظيفته وما يمكن ان يتعرّض له من محاكمة وحبس في ما بعد. هذا من جهة وجهة أخرى لقد تفتحت العيون علينا فأصبح المفر او المستقرّ أصعب، ان لم يكن مستحيلاً، ثم انّ الحرب قائمة والمصير مجهول، شكرته وأثنيت على موقفه النبيل وشرف تصرفه. ألح كرّرت عرضي، شعرت انه انصدم، غمرت الكآبة محياه. كانت استعداداته طيبة حقاً.
} هوامش:
كنا أشرنا الى ذلك في النبذة بعنوان «مرحلة من مراحل العمل الحزبي في اثناء الحرب العالمية الثانية» وفي نبذات أخرى.
الأمين إبراهيم حنا خوري: مراجعة ما نشرت عنه، وعن مديرية الحزب في مدينة غويانيا على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
الرفيق إبراهيم بشاره: من الرفقاء المناضلين في «كفرحاتا». نأمل من رفقائنا فيها ان يكتبوا لنا عن سيرته الشخصية والحزبية.
نجيب حلاوي: مراجعة النبذة عنه على الموقع المذكور آنفاً.
فارس معلولي: من راشيا الوادي، منح رتبة الأمانة وكانت له مسؤولياته في الوطن قبل ان يغادر الى غانا ليؤسس اعمالاً ناحجة. يصح ان نكتب عنه نبذة مفيدة.