مجلة قب الياس المعلم رزق الله حلبي والشاعر المهجري ميشال مغربي
من المجلات المناطقية، تحتل مجلة «قب الياس» الحضور اللافت، ليس فقط على صعيد أهالي بلدة قب الياس، والعديد من بلدات وقرى كل من البقاع الغربي، راشيا وزحلة، انما على صعيد المهاجرين من أبنائها المقيمين في القارات الخمس.
كنت أقرأ في «قب الياس» للامين محمود غزالة، للرفيق الباحث جان داية ولغيرهما ثم رحت أنشر فيها فقرات تعرف فيها على شعراء وأدباء من بين الذين عرفتهم في المهجر البرازيلي، الى ان توقفت المجلة عن الصدور، انما كانت تركت رصيداً غنياً جداً يصح العودة إليه، لكل دارس ومهتم.
*
للتعريف على مجلة «قب الياس» وعلى مؤسسها الاديب والمربي الراحل رزق الله الحلبي، أنشر الكلمة التي كنت عممتها عن عمدة شؤون عبر الحدود بتاريخ 21/12/2011 بعنوان: المعلم رزق الله الحلبي ومجلة «قب الياس»:
شهدت القاعة الشرقية من قصر الأونيسكو مساء البارحة – الثلاثاء 20/12/2011 حضوراً لافتاً من أدباء واعلاميين وأساتذة جامعات ومثقفين توافدوا لإحياء اليوبيل الماسي (75 سنة) على تأسيس مجلة «قب الياس» وتقديم التهنئة الى السيدة سامية الحلبي قرداحي التي تابعت بجهد مميّز اصدار المجلة بعد غياب مؤسِسها، الصحافي والأديب رزق اللـه الحلبي.
تكلم في المناسبة كلّ من نقيب الصحافة الاستاذ محمد بعلبكي، الأديبة الدكتورة نور سلمان، مديرة معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف – بيروت الدكتورة فاديا كيوان، الباحث الرفيق جان دايه، عميدة كلية الفلسفة والعلوم الانسانية في جامعة الروح القدس – الكسليك البروفسور هدى نعمة.
غاب عن المناسبة لأسباب طارئة كل من رئيس بلدية قب الياس السيد فياض حيدر الذي كانت له الكلمة الأخيرة في البرنامج، وضيف الحفلة الوزير السابق الدكتور طارق متري.
كان الرفيق جان دايه أصدر في العام 1996 كتاباً جامعاً وموثّقاً عن المعلم والصحافي رزق اللـه الحلبي، وبتاريخ 17/04/2010 عممت عمدة شؤون عبر الحدود نبذة تضيء على مجلة « قب الياس» ومؤسِسها نقلاً عن الكتاب الذي أصدره الباحث الرفيق جان دايه، نعيد تعميمها ربطاً.
جدير بالذكر انه جرى توزيع كتيب بعنوان « مارد قب الياس في قمقم مدمج «، ويضم دراسة عن المجلة، ومؤسسها، بقلم الرفيق دايه، كما دعي المشاركون الى كوكتيل سخي.
في اكثر من مكان تحدثنا عن مجلة « قب الياس «، المسـتمرة بالصدور بفضل السـيدة سامية قرداحي، وعدد جيد من الغيارى الذين يريدون للمجلة ان تستمر، وهي باتت تشكل مرجعاً جيداً لتاريخ بلدة قب الياس، في الوطن والمهجر، و» شيخة المجلات المناطقية « كما حكى عنها الرفيق جان داية في كتابه: « المعلم والصحافي والاديب رزق الله حلبي «، الصادر عن منشورات قب الياس، بتاريخ 1996.
في مقدمتـه يضيء الرفيق جـان دايـة عن المعلـم رزق الله حلبي فيقول:
هل اقصد تشـبيه رزق حلبي بالمعلّم بطرس البسـتاني؟ نعم ولا ! نعم، فبطرس قد لقّب بالمعلّم، لأنه أسّـس
« المدرسـة الوطنية « في زقاق البلاط – بيروت عام 1863، وكان المعلم الاول فيها، اضافة الى ادارته لها. وهو ظل كذلك طيلة عشرين عاماً. وكان أولاده في عداد طلابها- باسـتثناء سليم الذي درّس فيها – وقد سـاواهم بسـائر الطلاب.
وبالمقابل انتمى رزق الله حلبي الى المدرسة الاميركية في قب الياس (البقاع) عام 1925 بصفة مدرّس اللغة الفرنسية، وسرعان ما اصبح مديراً لها طيلة ثلاثين عاماً. ولكنه ايضاً بقي معلمها الاول. وتلقت بناته العلوم الابتدائية والتكميلية فيها، فضلاً عن التربية، من غير اي تمييز او امتياز، على حد تأكيد بعض طلابها القدامى.
واسس المعلم البستاني مجلة «الجنان» وجريدتي «الجنة» و»الجنينة» خلال ادارته لمدرسته وتعليمه فيها وهو استوحى اسماءها من اسم عائلته. صحيح ان ابنه البكر سليم كان يساعده في ادارة وتحرير الدوريات وبخاصة «الجنان» . . ولكن بصماته واضحة في جريدته الرئيسيّة «الجنّة» خصوصاً في افتتاحياتها .
أما المعلم حلبي، فقد اسس ايضاً مجلّة «قب الياس» مستعيراً اسمها من اسم البلدة التي كان يدرّس فيها، وقد استوطنها بديلاً عن زحلة التي «هاجر» منها حين قرر احتراف مهنة او بالاحرى رسالة التدريس. ومن يعرض اعداد المجلة منذ عامها الاول (1936) حتى لحظة رحيل مؤسسها في العام 1989، يتبين له أن هيئة تحريرها كانت مؤلفة من رجل واحد هو الصحافي رزق الله حلبي.
وبالمناسبة، فإن الرجلين بدآ الصحافة هواية. ولم يحترفاها تماماً كما كانت حال احمد فارس الشدياق ويعقوب صروف وجرجي زيدان. كان البستاني يكتب في جريدته، في الوقت الذي كان التدريس عنده احترافاً. وحلبي احترف التدريس، في الوقت الذي كان يحرر مجلته من الغلاف الى الغلاف، ويساهم في تحرير بعض الدوريات الأخرى.
وكان المعلم بطرس مارونياً. ولكنه اعتنق البروتستانتية اثر احتكاكه ببعض اركانها مثال القس ايلاي سميث الذي صار يعرف باسم عالي سميث.
ولم يكن ايمانه الجديد لمصلحة شـخصية، حتى اذا انتفت المصلحة، انتهى الايمان، كما كان حال الانجيليين في بلادنا. لقد اسـتمر اعتنـاقه المذهب الانجيلي حتى توقف خفقـان قلبه.
وخلال ذلك، اشـترك في تأسـيـس جمعية دينية في بيروت وكان المسـؤول الاول فيهـا، اضافة الى نيله رتبة دينية وإلقـائه الاحاديث والعظات الدينية خلال الصلوات.
وبدوره كان رزق الله حلبي روم كاثوليك. ونتيجة لقائه بالقس موسى قرداحي في الدرجة الاولى، اعتنق المذهب الانجيلي، وصار احد اركانه في لبنان. نال لقب شيخ. وألقى أحاديث كثيرة في عدة اذاعات وفي اماكن الصلاة. وهو حررّ في مجلّة الانجيليين «النشرة» تماماً كما فعل من قبله المعلم بطرس.
وبالطبع، بقي انجيلياً حتى لامس الله قلبه، على حد تعبير القس سليم صهيوني اثر وفاته.
ومن النقاط المشتركة بين المعلّمَين، المثالية اللامحدودة، والمترافقة مع مجموعة فضائل كالمحبّة والتضحية والتسامح. واذا تجلّت هذه الفضائل نظرياً في العديد من كتاباتهما.. فإنها تجسّدت تماماً في سلوكهما اليومي وخصوصاً مع طلابهما في المدرسة. وهي حقيقة يجدها دارسو البستاني وعارفو حلبي، بسهولة.
وبتأثير من المذهب الانجيلي، تجنّب الصحافيان الهاويان اي حوار تصادمي خلال كتاباتهما ما استطاعا اليه سبيلا. والظاهر ان الانجيليين يؤثرون عدم كتابة اية كلمة تندرج في قاموس العنف الفكري. صحيح ان المعلم بطرس قد استدرج الى بعض الحوارات التصادمية، خصوصاً مع احمد فارس الشدياق والقس لويس صابونجي.
ولكنه سرعان ما طوى صفحة السجال، منصرفاً الى ابداء آرائه بلغة هادئة وبمضمون مبدئي موضوعي غير مرتبط بالاشخاص.
اما المعلم رزق الله، الذي تلقى سـلسـلة من الاستفزازات وحتى التعديات خلال اصداره مجلته، فقد تجنب قدر المسـتطاع الاجـابة عليها. ولكنه، كالمعلـم بطرس، ردّ على القليل منها، ومن غير التوقّف الطويل عندها.
واذا قرأنا ما كتبه رزق الله حلبي في مجلته رداً على الحرب الاهلية التي اشتعلت نيرانها في عموم لبنان عام 1975، نتذكّر ما كان المعلّم بطرس قد كتبه في نشرته ذات الصفحة الواحدة والمعنونة «نفير سورية» رداً على حرب 1960 الاهلية التي بدأت في جبل لبنان وامتدت نيرانها الى دمشق. اتسمت الحربان الاهليتان باللون الطائفي.
ونتج عنهما خسائر فادحة في الارواح والممتلكات. أما ردّ البستاني وحلبي فكان واحداً لجهة رذله الطائفية وتأكيده على احلال الوحدة الوطنية الحقيقية مكان الاقتتال المذهبي.
ويستحيل سبر غور الالم الذي سببّته الحرب الداخلية لديهما بسبب عمقه اللامتناهي. لعل الفرق الوحيد هنا بين البستاني وحلبي، ان الاول تسنى له التمتع بنعمة السلم الاهلي، ربما لأن فتنة الستين لم تعمّر كثيراً، ولأنه كان في مطلع شبابه. في حين رحل الثاني قبل اتفاق الطائف، فيما كان على مشارف الثمانين، في الوقت الذي كان قد مضى على الحرب ثلاث عشرة سنة.
ثمة نقاط مشتركة أخرى كثيرة ليس مجال عرضها في هذه المقدّمة الخاصّة بكتاب متمحور على رزق الله حلبي فقط. لذلك أكتفي بما ورد، لأنتقل الى بعض الفوارق أو أهمّها، قبل أن يتهمني بعض النقّاد بالمبالغة، مع ان بعض ذلك البعض سوف يطلق عليّ مدفعية اتهاماته، كما فعل يوم صدر لي «جبران تويني وعصر النهضة».
لو شئت تلخيص الفوارق او معظمها وأهمها، وجمعها في حيّز مشترك، لقلت انها تتمثل في المرتبة او الرتبة. فالمعلم بطرس كان رائداً نهضوياً، بل رائد الرواد. والمعلّم رزق الله كان من رعيل الاحفاد في الحقل النهضوي. الاول حقق انجازات اضخم بكثير من التي حققها حلبي، من مثل دائرة المعارف، التي هي اول انسيكلوبيديا باللغة العربية. وانجازات حلبي، على كثرتها وأهميتها، جاءت متواضعة بالمقارنة مع الانجازات البستانية.
ولكن ذلك لا يعني ان بعض انجازاته لم تكن موازية لما انجزه البستاني، وتحديداً في حقلي التعليم والدين. بل يمكنني القول، انطلاقاً من معرفتي بالمعلّمين، ان حلبي قد حقق في المجالين الروحي والتعليمي والتربوي اكثر مما حققه البستاني.
بعبارة أخرى، فإن قامة المعلم البستاني النهضوية اكبر بكثير من القامة التي عرف بها المعلم رزق الله. ولكن القامتين نهضويتان. كلاهما من مدرسة واحدة.
لذلك، اطلقت على رزق الله حلبي لقب المعلّم، وقارنته بالمعلّم بطرس، ولم احصر اللقب في النطاق التعليمي- التربوي كما بات محصوراً عندنا في القرن العشرين، بل اطلقته وعمّمته على اكثر من ورشة نهضوية، وفق ما كان يعنيه في القرن التاسع عشر.
شعراء في المهجر البرازيلي، كنت كتبت عنهم في مجلة «قب الياس»
الرفيق شفيق عبد الخالق
الشيخ شكيب تقي الدين
خليل العقدي
احمد القادري
حسن عساف
محمد ناصر
الرفيق يوسف المسمار
الاديبة انجال عون
الاديبة الرفيقة وداد شروف عزالدين
فيليب لطف الله
توفيق بربر
الرفيق سليمان سليقا
مخايل خوري
نبيه سلامة
الرفيق فارس بطرس
ميشال مغربي
من الشعراء الذين تسنى لي ان عرفتهم، اذكر بتقدير كبير الشاعر ميشال مغربي الذي استضافني في منزله، فلفتتني الفاضلة عقيلته السيدة فيوليت بما تميّزت به من بشاشة وخلق رفيع.
الرسول العربي
واللافت في حياة الشاعر ميشال المغربي ان الجالية الإسلامية في سان باولو ما كانت تقيم حفلة في عيد من الأعياد المولدية الا وتدعوه لتكون له قصيدته فيها ولعل قصيدته «الرسول العربي» من أروع ما نظم وهو القاها عام 1954 بدعوة من الجمعية الخيرية الإسلامية في المسجد الإسلامي في سان باولو.
الله قدّر لي ديناً أقلده عقداً ابي كان من قلبي يقلده
وان جاري له عقد يماثله يضيء ياقوته الغالي وعسجده
صنو المسيحية الإسلام في نظري لاهما موجد الأديان موجده
فكيف اوليه ظهري حين ابصره أخ له دربه مثلي ومصعده
هيهات لكنني ادنو وأسعفه على الصعود وارعاه وارشده