لهذه الأسباب فشلت واشنطن في فرض حكومة انقلابية وأخفقت في تأليب الرأي العام ضدّ المقاومة
} حسن حردان
يُطرح هذه الأيام سؤال على درجة كبيرة من الأهمية الا وهو:
هل سلّمت واشنطن بفشل مخططها القاضي بفرض حكومة انقلابية تتولى تنفيذ الأجندة الأميركية في لبنان، وقررت العودة إلى صيغة التسوية السياسية، التي فجرتها في اعقاب اندلاع احتجاجات 17 تشرين عام 2019، ودفع الرئيس سعد الحريري إلى تقديم استقالة حكومته، لأجل فرض حكومة اختصاصيين مستقلين يكون هواها أميركياً، وإقصاء حزب الله وحلفائه عنها…؟
مردّ طرح هذا السؤال إنما يعود إلى التطورات الأخيرة التي كشفت عن ضغط أميركي مباشر لأجل الإسراع في تأليف حكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي لا تختلف من حيث تكوينها عن حكومة الرئيس الحريري قبل استقالتها عام 2019، حكومة تعكس التوازنات السياسية اللبنانية والمعادلة التي أنتجتها الانتخابات النيابية، أيّ حكومة تسوية ومساكنة بين الفريق الوطني المقاوم، والفريق الموالي لواشنطن…
لماذا تبدّل الموقف الأميركي، وبات يقبل بالعودة الى حكومة التسوية، وهل انّ خطة واشنطن البديلة بالمراهنة على تحقيق الانقلاب على المعادلة السياسية، في الانتخابات المقبلة، لا تزال صالحة وممكنة التحقق؟ على ضوء التطورات الأخيرة التي حصلت في أعقاب قرار قائد المقاومة السيد حسن نصرالله كسر الحصار الأميركي باستيراد المشتقات النفطية من الجمهورية الإسلامية في إيران.
المتابع للأحداث يدرك ان واشنطن حبكت عام 2019 خيوط اللعبة في لبنان، ورتبت وحضرت كلّ أدواتها، ووقتت بالاتفاق معها ساعة تفجير احتجاجات 17 تشرين، في سياق «ربيع لبناني»، تتصدّره مجموعات الانجيؤز، هدفه الإطاحة بالمعادلة السياسية القائمة، واستخدمت لتحقيق ذلك الحرب الاقتصادية المصحوبة بتشديد الحصار على لبنان لخنقه وتحميل العهد وحليفه حزبه الله المسؤولية عن الأزمة في محاولة لفرض حكومة تنفذ الشروط والإملاءات الأميركية… غير أنّ واشنطن لم تتوقع بأن يردّ حزب الله المقاوم هجومياً بكسر الحصار الأميركي.. ولهذا لم تأخذ كلام سيد المقاومة في اعقاب تفجّر احتجاجات 17 تشرين على محمل الجدّ عندما قال: ان من ينتظر تأليب بيئة المقاومة عليها سيفشل، وعليه أن ييأس»، كاشفاً أنّ «لدينا معادلة مهمة وخطيرة لن أتحدث عنها»، مؤكداً لمن «سيضعنا بين خيار القتل بالسلاح أو الجوع، سيبقى سلاحنا في أيدينا، ونحن سنقتله».
لكن عندما بلغت الأزمات الذروة، وظهر عجز الدولة عن حلّ مشكلات الناس، وأصبح المواطنون عرضة لإذلال يومي في سعيهم للحصول على البنزين والكهرباء والدواء.. الخ… اتخذ قائد المقاومة القرار الجريء بكسر الحصار وأعلن عن بدء استيراد المشتقات النفطية من إيران وانطلاق اول سفينة من عدة سفن، باتجاه لبنان.. الأمر الذي أحدث زلزالاً سياسياً، صدم قوى 14 آذار، وأربك سيدهم الأميركي الذي فوجئ بقرار سيد المقاومة، لأنه ظنّ واهماً انّ المقاومة ستبقى مكتوفة الأيدي وهي تشاهد الناس تتعرّض لكلّ هذه المعاناة اليومية، ولا تقدم على خطوة عملية للتخفيف من هذه المعاناة..
واذا كانت واشنطن سارعت إلى محاولة الالتفاف على قرار السيد حسن نصرالله، من خلال إعلان رفع الفيتو الأميركي عن مرور الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية إلى لبنان، والقبول على مضض بالسماح للوفد الوزاري اللبناني بزيارة دمشق للتنسيق معها في ذلك، إلا أنّ هذا القرار للمقاومة سرعان ما فعل فعله في الأوساط الشعبية، تاركاً ارتياحاً عاماً مما قوّض حملة التعبئة التي نظمتها واشنطن والقوى التابعة لها لتشويه صورة المقاومة وتحميلها مسؤولية الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون، فانكشفت حقيقة الدور الأميركي بالوقوف وراء مفاقمة أزماتهم، ومنع مرور الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سورية إلى لبنان، بعد إقرار «قانون قيصر» الأميركي الذي أطبق الحصار على كلّ من سورية ولبنان…
لكن ما هي النتائج التي أسفرت عنها هذه المعركة بين المقاومة وواشنطن؟
في هذا السياق يمكن رصد ثلاث نتائج:
النتيجة الأولى، اضطرار واشنطن إلى التراجع عن خطتها التي اعتمدتها منذ ما قبل تفجر احتجاجات 17 تشرين الأول 2019 لخنق لبنان اقتصادياً ومفاقمة أزماته المالية والنقدية والخدماتية والاجتماعية والمعيشية.. وبالتالي الإقدام على اتخاذ اجراءات تخفف من الحصار وذلك بهدف منع حزب الله من الظهور بمظهر المنقذ لدى اللبنانيين.. ومحاولة تبرئة الولايات المتحدة من المسؤولية عن معاناتهم..
النتيجة الثانية، تسليم واشنطن بعدم جدوى الاستمرار بعرقلة تشكيل حكومة تسوية يشارك فيها حزب الله وحلفائه، لانّ ذلك سوف يؤدي إلى مزيد من التأزم وشلل مؤسسات الدولة، واستطراداً تعزيز موقف حزب الله على صعيد إيجاد الحلول لأزمات اللبنانيين الحياتية، من خلال فرض التوجه شرقاً للإتيان بكل ما يحتاج اليه لبنان إن كان من إيران أو سورية او غيرهما. الأمر الذي يحبط خطة واشنطن البديلة لاستثمار الأزمة في الانتخابات المقبلة ويضعف النفوذ الأميركي في لبنان.. ولهذا رأت واشنطن انّ مصلحتها باتت تكمن في الدفع باتجاه تشكيل حكومة تسوية، باعتبارها أقلّ الأضرار بالنسبة لها، بعدما كانت تقف وراء تفجير حكومة التسوية والمساكنة برئاسة الحريري في أعقاب اندلاع احتجاجات 17 تشرين… ما يعني إقرار واشنطن بإخفاق مخططها الانقلابي..
النتيجة الثالثة، توجيه ضربة موجعة لكلّ منظومة التحريض ضد المقاومة، والفشل في خلق المناخات الشعبية المعادية للمقاومة لأجل إضعافها واضعاف حلفائها في الانتخابات النيابية المقبلة، بهدف تمكين الفريق الموالي للولايات المتحدة من حصد الأغلبية في البرلمان وإعادة تشكيل السلطة بما يمكن واشنطن من تنفيذ مخططها الانقلابي..
انطلاقاً مما تقدم يمكن القول ان المقاومة التي نجحت في تحقيق الانتصارات العسكرية ضد العدو الصهيوني وقوى الإرهاب التكفيري، وأحبطت مخططات جرها إلى أتون الفتنة، تبرهن اليوم بأنها قادرة أيضا على النجاح في مواجهة الحرب الاقتصادية الأميركية، ومنع واشنطن من تحقيق ما عجزت عن بلوغه بوساطة القوة العسكرية…