دمشق بوابة التحالفات الجديدة…
} د. حسن مرهج
كثيرة هي المعطيات التي وسمت المشهد السوري مؤخراً، إذ بات واضحاً من خلال جُملة من المشاهد السياسية والعسكرية، أنّ هناك قراراً إقليمياً ودولياً بإعادة التنسيق مع دمشق، لضبط ما يُمكن تسميته، بإيقاع التحالفات والاصطفافات الجديدة، فالقرار وإنْ كان مضمونه أميركياً، إلا أنّ عنوانه الرئيس دمشق المقاومة، التي افتتحت انتصاراتها السياسية والعسكرية، بوقائع لا يُمكن لأي لاعب إقليمي أو دولي، أن يتجاهلها، فالترجمة الحقيقية لانتصار دمشق، تمثلت بمشاهد ثلاثة، أولها زيارة الوفد اللبناني إلى دمشق، وثانيها استعادة مدينة درعا بالكامل، وثالثها اللقاء الرباعي في الأردن، والذي ضمّ وزراء الطاقة في كل من مصر ولبنان والأردن وسورية، والذي ما كان ليتمّ، لولا موافقة سورية على تمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية إلى لبنان.
في المشاهد السابقة، ثمة مفتاح ذهبي بيد دمشق، وهنا لا ينبغي أن تكون مقاربة تلك المعطيات والوقائع، وفق آلية سياسية عنوانها أنّ الإدارة الأميركية وافقت على إعادة التنسيق الإقليمي مع دمشق، بل الصحيح أنّ دمشق هي من فرضت بقوة استراتيجيتها، تلك المشاهد، بل وأجبرت الأميركي على الرضوخ، والسماح لأدواته في المنطقة، بالعودة إلى دمشق، فلا تحالف إقليمي جديد، أو اصطفاف سياسي جديد، إلا ودمشق عنوانه الأبرز.
في عمق المعطيات والتطورات الأخيرة، هناك معادلة أحد أقطابها الجغرافية السورية الحاكمة والضاغطة على دول الإقليم، والآخر الصبر الاستراتيجي لدمشق، مدعوماً بروسيا وإيران، في هذا الإطار، لا بدّ من القول، بأنّ دمشق وعلى الرغم من الضغط الاقتصادي الذي تعيشه، لكن هناك أوراق قوة تُستثمر لحلحة الواقع الاقتصادي الضاغط على سورية والسوريين، ومن باب آخر، ثمة جوانب يجب مقاربتها من بوابة الانتصار العسكري لدمشق، والذي سيُترجم حُكماً نجاحات سياسية لها منعكسات إقليمية ودولية.
في الشأن السياسي، كان لدمشق نصيب الأسد في التوازنات الجديدة، كما أنّ دمشق وبموقعها الجيو سياسي، شكلت عامل ربط إقليمياً، سيؤسس حُكماً لمشاهدة سياسية واقتصادية جديدة، لا سيما أنّ زيارة الوفد اللبناني، لمناقشة سبل إيصال الغاز والكهرباء إلى لبنان، لم يكن مكرمة أميركية تُمنن بها دمشق، بل على العكس، فدمشق والمقاومة في لبنان هما من فرضتا على الأميركي اتباع مقاربات جديدة، وضمن ذلك، تابعت دمشق مسارها بقوة استراتيجية، لتنتقل بعدها إلى الأردن لمتابعة التنسيق، ضمن اجتماع هو الأول من نوعه، بعد عقد من بداية الحرب على سورية، كلّ ذلك وضع جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين، أمام مشهد دمشقي جديد، عنوانه الأبرز هنا دمشق، وهنا سقط الأميركي ومشروعه.
عسكرياً، نجحت دمشق وبوساطة روسية، في استعادة درعا كاملةً، في هذا المشهد، بدا واضحاً حجم الارتباك الإقليمي والدولي، فالداعم الأساس للفصائل المسلحة في درعا، أُجبر وبنيران السياسة السورية، على الابتعاد عن جنوب سورية، وترك أدواته يواجهون دمشق وحلفاءها، ومن ضمن جزئيات مشهد الجنوب السوري، هناك استراتيجية برعت دمشق في هندستها، تمثلت بسياسة النفس الطويل، والتي تكللت بنجاح أبهر نوره أبصار واشنطن وأدواتها في المنطقة، وبالتالي لم يعد أمام الجميع، إلا الانخراط في المشهد السوري، والموافقة على طرق أبواب دمشق مجدداً، وعليه عادت درعا إلى الحضن السوري، ورضوخ إقليمي ودولي واضح تُجاه دمشق.
في جانب موازٍ، لا يمكن إغفال انتصار دمشق في درعا إطلاقاً، خاصة أنه من الطبيعي والمنطقي، أن تُعمّم استراتيجية دمشق في درعا، على إدلب وشرق الفرات، وهنا لن نضع توقيت زمني محدّد، ولا يُمكن أن نتجاهل حجم التحديات في شمال شرق سورية، لكن ما يُمكن قوله، بأنّ دمشق وحلفاءها، باتت لديهم جُملة لا متناهية من أوراق القوة، وبكلّ تأكيد سيتمّ زجّها واستثمارها، في ملفي إدلب وشرق الفرات عطفاً على إعادة الحياة إلى المسار السياسي واللجنة الدستورية، ولعلّ زيارة المبعوث الأممي إلى دمشق غير بيدرسون، تُعطينا عنواناً جديداً وقوياً، فرضتها دمشق مجدداً.
باختصار، طريق دمشق وأبوابها فُتحت مُجدداً، بقوة السياسة السورية، وباتت دمشق العنوان الأبرز في مروحة التحالفات الجديدة، وعلى جميع القوى الإقليمية والدولية، استثمار هذا الافتتاح، وبذلك، فإنّ سورية لا تزال الرقم الصعب في أيّ توازن، وأيّ تحالف، وأيّ اصطفاف على مستوى الشرق الأوسط والعالم.