أولى

مآخذ على الحكومة أم مصادر قوة لها؟

بمعزل عن الحملات التي تستهدف الحكومة بمفردات طرائف تستند إلى هفوات شخصية لوزرائها، أو لتحميل مواقفهم ما لا تحمل، يركز الذين يسوقون فكرة اللاثقة بالحكومة شعبياً وسياسياً وإعلامياً إلى نظريتين، الأولى أنها حصيلة مداخلات دولية وإقليمية وليست صناعة لبنانية، فيطلق عليها الكثير من هؤلاء طعناً بوطنيتها تسمية حكومة ماكرون- رئيسي، في الإشارة إلى الاتصال الذي أجراه الرئيس الفرنسي بالرئيس الإيراني طلباً للتعاون في تسريع تشكيل الحكومة اللبنانية قبل ولادتها بأسبوع، أما الثانية فهي اعتبار الحكومة امتداداً للحكومات السابقة من زاوية أنها ليست حكومة اختصاصيين مستقلين، بل حكومة اختصاصيين اختارتهم قوى سياسية تشكل مرجعياتهم، للطعن بقدرة الحكومة على الانفصال عن المشهد السياسي السائد.

من الواجب أن نتفهم هذه الانتقادات، سواء ما يصدر منها عن إحباط بعض الذين راهنوا على الطريق المسدود الذي يواجهه المسار الحكومي، مستندين إلى قوة القرار الخارجي قبل أن تكسره مسيرة سفن المقاومة، وأمل هؤلاء ببلوغ الفراغ والفوضى، أو ما يصدر عن أصحاب نوايا تغيير صادقة أحبطهم فشل المسار الذي ولد قبل سنتين بالرهان على فرضية سقوط التشكيلة السياسية السائدة لصالح نماذج المجتمع المدني، بدعم خارجي، وهم يجدون اليوم أن ما يجري هو تعويم للحال التي كانت قبل الأزمة، ليتساءلوا عما إذا كانت الحلول قابلة للولادة على يد من ولدت الأزمة في عهدتهم وعهودهم؟

للذين يريدون التغيير الجذري نقول إن منع الفراغ والفوضى وانقسام البلاد جغرافياً وطائفياً إلى كانتونات يجب ان يشكل ممراً أجبارياً يحرص على حمايته كل دعاة التغيير، والانتخابات النيابية على الأبواب وهي فرصة التغييريين لإثبات تميزهم وحضورهم المستقل والنوعي، وليس الرهان على الخراب للقول انظروا ماذا فعلت ما يسمونها بالطبقة السياسية أو المنظومة، خصوصاً أن أحد أسباب انكفاء الناس عن التحركات احتجاجاً على ولادة الحكومة بعدما ملأت مثلها الشوارع قبل أقل من عامين، عائد إلى فشل النماذج التي قدمت إلى اللبنانيين كبديل في نيل ثقتهم، والدليل هو الحاصل اليوم من تمنيات لبنانية شعبية كاسحة بأن تنجح الحكومة الجديدة بالحد من تفاقم الأزمات، ومنع الانهيار، بعدما تقلصت أحلام اللبنانيين إلى قبول الحد الأدنى من كرامة العيش بالحد الأدنى من المقومات.

المناخ الدولي التوافقي الناجم عن تبدل في الموقف الأميركي والغربي في التعامل مع لبنان من سقف أعلى يراهن على سقوط لبنان على رأس المقاومة، إلى قبول كسر الحصار تفادياً لما يسميه الإسرائيليون سقوط لبنان في حضن حزب الله، هو نتاج وطني لبناني، يجعل الحكومة المولودة برعاية خارجية ثمرة لهذا البعد الوطني اللبناني.

يبقى الأهم واقعياً، هو أن النجاح في منع الانهيار وتخفيف حدة المعاناة ومنع الفراغ والفوضى، مهمة تحتاج تعاون الفاعلين في الخارج والداخل، فهل يمكن النظر لهذا التعاون أن يوصف بالمأخذ أم بنقطة القوة، وقد سبق الكثير من الكلام عن أن صعوبة بلوغ هذا التعاون هو أحد عناصر الأزمة، لتصل المطالبة بوضع المقاومة تحت عنوان التسبب بذلك، فعندما زال الحظر صار مذمة؟

هل يمكن للحكومة أن تحقق المطلوب لمنع الفراغ والفوضى وبالتالي الخروج من نفق الانهيار من دون دعم القوى السياسية الأساسية الفاعلة، سواء بحماية خطواتها بعيداً من السجالات والمناكفات، أو بإقرار ما يلزم من تشريعات وقوانين، وصولاً لخلق البيئة المناسبة شعبياً لحماية الخطوات المطلوبة.

يبقى للذين يحملون أحلاماً مشروعة ومطلوبة بالتغيير أن هذا شوط أول يعيد العربة إلى السكة، ليكملوا مسيرتهم نحو التغيير عبر خطاب لا طائفي تغييري وطني بعيد من تأثير السفارات وبرامجها، وصناديق الاقتراع هي المكان الطبيعي لاختبار النجاح والفشل.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى