أولى

كلمة بمناسبة التصويت على الثقة

 النائب د. فريد البستاني

دولة الرئيس الأستاذ نبيه بري

السيد رئيس الحكومة… السيدة الوزيرة… والسادة الوزراء

السيدات الزميلات والسادة الزملاء

نحن هنا لمناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة، والتصويت على منحها الثقة، لكننا ربما للمرة الأولى نجد أنفسنا مجبرين على القول إنّ مجرد وجود حكومة بات حدثاً بالنسبة لنا، بعدما تعرّفنا على معنى غياب الحكومة ونتائجه المدمّرة خلال أكثر من سنة، فكلّ ما يمكن أن نقوله من أسباب وخطط للإنقاذ والإصلاح ومشاريع النهوض يبقى بلا قيمة ما لم تكن لنا حكومة، وبمثل ما يشكل وجود الحكومة ألفباء ممارسة الحكم وبديهية أولى في إدارة الشأن العام، اكتشفنا كم كنا نجهل هذه الألفباء ونتجاهل هذه البديهية، وبمثل ما تعلمنا أننا كلبنانيين لا نملك ترف الحياة بلا حكومة، فنحن كنواب لا نملك ترف النقاش في البيان الوزاري بمعزل عن هذه الألفباء والبديهية، أي مبدأ وجود حكومة، فنحن نناقش ولا يجوز أن يغادر تفكيرنا أنه باتت لدينا حكومة، وأنّ المعيار الأول في النقاش هو أننا نغادر الفراغ وخطر الفراغ، وما يتبعه من خطر الوقوع في الفوضى والتفكك والانحلال والضياع، فهل يجوز أن يغيب عن بالنا ذلك؟

هل نستطيع أن ننسى أننا كنا ندخل بعيون مفتوحة إلى النفق المظلم، وأنّ البعض الذي يمارس العبثية السياسية قد يستسهل القول إنه سيناقش الحكومة متحرّراً من هذا الهمّ، ويتوقف أمام مناقشة مترفة للبيان الوزاري مفككاً مفرداته ومتوقفاً أمام فقراته، وهو ما لا يجوز إهماله، لكن من دون إغفال حقيقة أنّ المهمة الأولى التي تتصدّى لها الحكومة والتي لم ترد في بيانها الوزاري، لأنّ وجودها بذاته تعبير عن ذلك، وهي مهمة منع الوقوع في الفراغ والفوضى.

أنّ نقارب تشكيل الحكومة الجديدة، ومأزق الفراغ الحكومي الذي خبرناه في أسوأ لحظاتنا الوطنية، يعني أن نتوقف ملياً أمام ما كشفته هذه المحنة من نقاط ضعف وعيوب في ممارستنا السياسية، وحاجتنا الملحة لسدّ الثغرات في البنية الدستورية لممارسة الحكم، بصورة تمنع تكرار مثل هذه الأزمات، ودائماً تحت سقف الوفاق الوطني واتفاق الطائف، وقد ظهر كم نحن بحاجة لتيسير عمل المؤسسات وكيفية توزع الصلاحيات بينها وممارسة الأدوار وتحمّل المسؤوليات في العملية الدستورية المفصلية التي يمثلها تشكيل الحكومات، في حفظ التوازن الوطني من جهة، وإدارة السلطة التنفيذية من جهة موازية.

لذلك لا نستطيع ونحن نقارب الحكومة الجديدة، إلا أن نعرب عن تقديرنا لنجاحها في التوصل لمعادلة صعبة أتاحت ولادتها، تلبّي حاجتنا الملحة والوجودية لأن تكون لنا حكومة، ولا تضحّي لأجل ذلك بمعادلة الحياة الوطنية التي يحفظها التوازن وحسن تطبيق النصوص الدستورية، وما يعنيه النص الدستوري عن ارتباط شرعية أيّ سلطة بعدم تناقضها مع ميثاق العيش المشترك.

من هاتين النقطتين نجدنا معنيين بالتمسك بالحكومة قبل أن نقرأ بيانها الوزاري، وتسكننا الخشية من أن تضعنا قرارة البيان أمام معضلة ضميرية، إذا جاء البيان مخيّباً للآمال بعيداً عن هموم واهتمامات اللبنانيين، فكيف سنمنحها الثقة إذا جاء البيان مناقضاً لما يحتاجه لبنان في هذه المرحلة من خطوات جريئة تقارب أوجاع اللبنانيين وتطلعاتهم العالية السقوف نحو الإصلاح، وكيف نحجب الثقة عن حكومة جنّبتنا الفراغ والفوضى وحفظت توازننا الوطني؟

من حسن حظنا وحسن حظ لبنان واللبنانيين، أنّ الحكومة نجحت في وضع يدها على الكثير من الجروح اللبنانية، وأنها قاربتها بما يلبّي الحدّ المطلوب من الوضوح، فأعلنت تمسكها بالتدقيق الجنائي وبهيكلة القطاع المصرفي وحماية ودائع اللبنانيين، ومنحت قطاع الكهرباء أهمية محورية في بيانها ومثله التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، وفي السعي لإعادة إعماره، وفي التوجه سريعاً للتفاوض مع صندوق النقد الدولي حول خطة لإعادة النهوض الاقتصادي والتعافي المالي، وفي قلب كلّ ذلك الأهمية التي نوليها لإطلاق البطاقة التمويلية، التي تمثل التصحيح الوحيد لفوضى الدعم المعتمد على تمويل استيراد السلع، للذهاب حيث يجب بدعم المواطن المستحقّ، كلّ هذه النقاط التي أولاها البيان عنايته ومنحتها الحكومة اهتمامها، بالإضافة إلى العديد من العناوين التي وردت في البيان الوزاري، تجعل الثقة المتلازمة مع المساءلة والمراقبة كمهمّتين غير منفصلتين للعمل النيابي، موقفاً واجباً علينا.

تبقى عهدة وأمانة وضعها أهلي في منطقة الشوف في عنقي أنقلها إلى السيد رئيس الحكومة والسيد وزير الصحة، هي مواصلة العمل الذي بدأناه مع الحكومة السابقة والسيد وزير الصحة السابق مشكوراً، لاستكمال تجهيز مستشفى دير القمر الحكومي الذي يمثل حاجة وجودية لأبناء الشوف في هذه الظروف الصحية والاجتماعية، شاكرين دولة الكويت الشقيق والبنك الدولي على مساهماتهما في تمويل هذا المشروع.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى