العراق: خطر التقسيم واقع أم تهويل؟
حميدي العبدالله
يتوقع أن تنتهي العملية التي بدأها الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي بتطهير محافظة صلاح الدين من «داعش».
ولكن خطر تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات عرقية ومذهبية لا يرتبط بمحافظات صلاح الدين وديالى، وحتى نينوى، لأنّ هذه المحافظات الثلاث تتكوّن من نسيج يضمّ المذاهب والديانات والأعراق التي يشكل العراق وطنها، ولم تكن في أيّ لحظة مرشحة لأن تكون مرتكزاً لتقسيم العراق، إنما المقصود بالتقسيم في الدرجة الأولى مناطق شمال العراق، حيث أقام الأكراد كيان دولة في هذه المنطقة تربطه علاقات واهية مع الحكومة المركزية، وحيث يدور الحديث عن تقسيم مماثل تكون محافظة الأنبار مركزه.
إذا كان المقصود بتقسيم العراق قيام دولة كردية في شمال العراق موازية للدولة العربية في أنحائه الأخرى، فهذا التقسيم قد وقع، وجرى تكريسه كأمر واقع، والغطاء الدستوري لا يحجب هذه الحقيقة، لأنّ الممارسات على الأرض لا تنسجم مع ما جاء في الدستور الذي وضعه الاحتلال الأميركي. وبمعزل عن مشروعية هذا التقسيم إلا أنه أصبح حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها.
لكن ولادة دولة في الأنبار تشبه الدولة الكردية في شمال العراق هي المسألة المطروحة اليوم على بساط البحث وهي التي تتصدّر السجالات الدائرة الآن في العراق. إنّ سيطرة «داعش» على هذه المحافظة لا تعني ولادة دولة جديدة وتقسيم العراق، طالما أنّ الدستور العراقي الحالي لا يلحظ لها حقوقاً كتلك الحقوق التي منحت للأكراد في شمال العراق، كما أنّ تواجد قوات الجيش العراقي في مركز المحافظة وبعض نواحيها الأخرى، يؤكد أنّ ما هو قائم تمرّد تقوده جماعة إرهابية مدعومة بقوى محلية وخارجية لتحقيق أهداف سياسية لا صلة لها مباشرةً بتقسيم العراق.
إنّ تقسيم العراق الفعلي يكون عندما يتمّ تكريس الأنبار ككيان دولة يشبه الكيان الكردي في شمال العراق، وينص على ذلك في الدستور، وتقبل الأطراف الفاعلة بذلك. هذا الواقع غير قائم، الآن على الأقل، هناك من يخشى أن يؤدّي قانون «الحرس الوطني» لا سيما الفقرة التي تنصّ على أن تكون أمرة الحرس من صلاحيات المحافظ إلى خلق واقع يعزز نوعاً من أنواع الكيانية المذهبية التي قد تقود في ظروف أخرى إلى التطوّر لتتحوّل إلى حالة تشبه حالة إقليم كردستان في شمال العراق. لكن ثمة الكثير من العوامل التي تجعل ظروف وواقع الأنبار تختلف عن واقع شمال العراق، وفي مقدّمة هذه العوامل أنه في شمال العراق هناك وجود للأكراد، في حين أنّ في الأنبار وجود مذهبي، ولا وجود لكيانات دولة على أساس مذهبي، ولم تسجّل أي سابقة في أيّ مكان في العالم، وحتى نموذج إيرلندا، حيث الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت، فإنّ جزءاً من دوافع النـزاع هناك قومية أكثر منها مذهبية، ومع ذلك لم تقد إلى الانفصال وإنشاء كيان مستقلّ.
هكذا فإنّ تقسيم العراق على أساس مذهبي ليس خطراً جدياً، بل سعي إلى استنزاف العراق وإرباكه بصراعات تمنعه من النهوض من جديد لا أكثر ولا أقلّ.