خيبة ديمبسي… ما كتب قد كتب
ناصر قنديل
– لم يأت الجنرال مارتن ديمبسي إلى بغداد على صهوة جواده الأبيض كما كان يرغب ويتمنى، فقد كانت حساباته أن «داعش» سيضع إيران وحلفاءها أمام استعصاء عنوانه، أن خطر «داعش» يتقدم ويقترب من الخطوط الحمر في بغداد وسامراء والحدود مع إيران، وفي شمال شرقي سورية وصولاً إلى حلب، يلاقي استعصاء «النصرة» في جنوبها، ويتواصل عبر الحدود مع ما تمثله «النصرة» و«داعش» في لبنان من استنزاف يشكل تحدياً يدق أبواب مناطق البيئة الحاضنة للمقاومة.
– مصدر الرهان الذي وضع ديمبسي معادلته بقوله، لا ينتهي وجود «داعش» من دون عمل بري، ولا تكفي الغارات الجوية لتحقيق النصر، أنه في العراق ولبنان، بسبب التكوين المذهبي للقوى المنتمية لحلف المقاومة، سيكون وفقاً للتقديرات الأميركية، مستحيلاً تحقيق تقدم بري بوجه «داعش» من دون استنفار عصبية مذهبية موازية ومعاكسة تلتف حوله وتحمي قواته، ما لم تكن القوة المهاجمة تحظى بتغطية مختلطة طائفياً، وأن مثل هذه التغطية مستحيلة الحدوث من دون السعودية وتركيا وامتداداتهما في العراق ولبنان، وأن الخطوط الحمر التي يرسمها كل من تركيا و«إسرائيل» في شمال وجنوب سورية ستتكفل بمنع الجيش السوري من التقدم بوجه «داعش» و«النصرة»، بينما تجري بين واشنطن وحلفائها في تركيا و«إسرائيل» وقطر والسعودية، مناقشة الحل السياسي في سورية على إيقاع اعتبار «النصرة» بعد نجاح فك ارتباطها بـ»القاعدة» الركيزة الرئيسية لمفهوم المعارضة المعتدلة، من جهة، ورد الاعتبار لـ»الإخوان المسلمين» بعدما ارتضت السعودية التراجع عن وقوفها مع مصر في خندق واحد تجاههم، وتصديها للطلب المصري بمعاقبة قطر على موقفها في الأمم المتحدة بوجه مشروع القرار المصري بصدد ليبيا، وتحول تحالف «الإخوان» و«القاعدة» إلى آخر أحصنة الرهان السعودية في اليمن.
– قبل ثلاثة شهور كانت مراقبة أميركا لسير المعارك في العراق وسورية ولبنان، تقول إن الوصفة تصح، فالمراوحة في المكان كانت سمة الوضع العسكري بوجه «النصرة» و«داعش»، وكانت الخطوط الحمر «الإسرائيلية» جنوباً والتركية شمالاً تبدو مرسومة لمنع تقدم الجيش السوري، ومسيرة تبييض «النصرة» تتقدم، والجيش العراقي يتقدم في محور لكن يخترق مواقعه مقاتلو «داعش» في جبهة لا تقل أهمية، فرسم الأميركيون سيناريو الأمد الطويل لحرب «داعش» و«النصرة»، واعتبار المفاتيح بين أيديهم.
– فوجئ الأميركيون بحجم المعادلات التي رسمها السيد حسن نصرالله، في الإطلالة التي سبقت غارة القنيطرة، وفوجئوا أكثر بحجم ونوعية الموقفين السوري والإيراني المساندين لما أسموه بالرد المزلزل للمقاومة بعد الغارة، وعلى رغم توقعهم لمثل هذا الرد فوجئوا أكثر بدرجة إبهار ودقة ما رأوه في مزارع شبعا وما تلاه من كلام للسيد نصر الله عن تغيير قواعد الاشتباك، وفوجئوا أكثر وأكثر بالوهن «الإسرائيلي»، وصدمتهم تأثيراته على المعنويات السعودية والتركية.
– اكتشف الأميركيون أن المعادلات تتغير، لكنهم لم يضعوا في حسابهم أن الحرب الشاملة على «داعش» و«النصرة» قد اكتملت استعداداتها في العراق وسورية ولبنان، وأن رهاناً خاطئاً جعلهم يظنون أن زمام المبادرة بين أيديهم لأن الخوف من الفتنة سيكفي لردع حلف المقاومة عن مثل هذا الهجوم، كمثل الرهان الخاطئ على أن خوف المقاومة من الفتنة يوم قرار الحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة بتفكيك شبكة اتصالات المقاومة، سيضمن عدم الرد، ومثلما جاء السابع من أيار يومها، جاء السابع من آذار اليوم، لتبدو مواقع «داعش» و«النصرة» تتهاوى من دون أن تتمكن واشنطن من استخدام ورقة الغطاء الدولي والإقليمي للابتزاز، بعدما بدا أن حلف المقاومة قادر على تفادي خطر الفتنة بقدراته الذاتية.
– شق السعوديون والأتراك والإسرائيليون قمصانهم، ونتفوا شعورهم، ولكن ما باليد حيلة فالعويل والنحيب والصراخ لن تفيد بشيء، فكل مكونات العراق تشترك في الحرب، هكذا جاء الجنرال ديمبسي على عجل، ليفاوض عشائر العراق ويعد بالإفراج عن السلاح للجيش العراقي، ويطلب تقييد الدور الإيراني وخصوصاً دور حزب الله، ليسمع تمسك العشائر والحكومة العراقية بالدورين، ولم يبق أمامه سوى دخول الماراتون الذي أطلقه حلف المقاومة والقبول بالعمل على توقيته.
– لن تنتظر الحرب على «داعش»، رضا السعودية وتركيا للمساومة على دور، ولا الانتخابات الأميركية، لتكون دماء الناس رصيداً في صناديق الاقتراع، ولا خطوط حمراً يرسمها «الإسرائيلي» والتركي في شمال وجنوب سورية، ولا مكان لـ»النصرة» في العملية السياسية مهما تفاعلت محاولات التبييض، هذا إن بقيت «النصرة».