كيف سيكون المشهد في لبنان بعد تنفيذ العروض الإنقاذية من إيران وروسيا والصين؟
} أحمد بهجة*
كيف يمكن أن يكون المشهد في لبنان بعد سنتين أو ثلاث سنوات، إذا اجتمعت الحكومة اللبنانية هذا الأسبوع وقرّرت الموافقة على العروض الإيرانية والروسية والصينية…
للتذكير فإنّ هذه العروض تتعلق بتنفيذ مشاريع إنمائية وخدماتية في قطاعات أساسية لا يقوم أيّ اقتصاد من دونها.
وإذا بدأنا من الآخر، أيّ من العروض الإيرانية التي قدّمها وتحدّث عنها وزير خارجية إيران الدكتور حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته إلى لبنان قبل أيام، والتي شهدت لقاءات مطوّلة وأحاديث تفصيلية بينه وبين العديد من المسؤولين والقادة اللبنانيين، إذا بدأنا من هذه العروض نجد أنها مهمة جداً خاصة أنها تلامس الحاجات الضرورية للبنانيين هذه الأيام، حيث طرح إنشاء معملين لإنتاج الكهرباء بقوة ألف ميغاوات لكلّ منهما، وإنشاء ميترو تحت العاصمة بيروت كما حصل تحت العاصمة الإيرانية طهران، والمساهمة في إعادة إعمار مرفأ بيروت، إضافة إلى تجديد العرض السابق بتزويد لبنان بما يحتاجه من محروقات، وهو ما تمّ البدء بتنفيذه من خلال البواخر الإيرانية التي يستوردها حزب الله وتصل تباعاً إلى مرفأ بانياس في سورية ومن ثم يجري نقلها إلى لبنان بالصهاريج.
ولا يجب أن ننسى هنا ما طرحه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل مدة وجيزة عن استعداد الشركات الإيرانية للمساهمة في التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية، وفي البرّ أيضاً، خاصة إذا استمرّ تلكّؤ الشركات الغربية عن تنفيذ ما التزمت به في العقود الموقعة معها، وذلك بسبب ضغوط تمارّس عليها من قبل الدول التي تحاصر لبنان وتتمنّى لو أنها تستطيع منع شعبه من التنفس، لكن المقاومة تقف بالمرصاد وهي جاهزة لكسر الحصار في كلّ المجالات كما نجحت بكسره في مجال استيراد المحروقات.
أما العروض الروسية فيأتي أوّلها عرض بناء مصفاتين لتكرير النفط الخام، على أن تبدأ إحداهما بالعمل بعد ستة أشهر بتكرير نحو 20 ألف برميل يومياً لتصل بعد 18 شهراً إلى أكثر من 150 ألف برميل يومياً، ما يغطي حاجة لبنان من الفيول لتشغيل معامل الكهرباء الموجودة حالياً أو التي سيتمّ بناؤها مستقبلاً.
على أنّ النقطة الأبرز في هذا العرض هي أنّ الشركات الروسية تتعهّد بأن تبدأ فور توقيع العقود بتزويد لبنان بما يحتاجه من فيول لمعامل الكهرباء ريثما تكون المصفاة قد بدأت بالإنتاج… يعني إذا تلقفت الحكومة العرض الروسي هذا الأسبوع وتمّ من الآن حتى نهاية هذا الشهر توقيع العقود ستنتهي عندها أزمة الفيول التي نعانيها اليوم، وسيحصل اللبنانيون على ساعات طويلة من التغذية بالتيار الكهربائي.
كذلك فإنّ العروض الصينية مهمة جداً ويأتي في طليعتها إنشاء خط السكك الحديد بين الشمال والجنوب وبين بيروت والبقاع، مع إنجاز مشروع نفق حمانا ـ شتورا والذي يتحدث عنه المسؤولون والمواطنون منذ أكثر من نصف قرن! كما يشمل العرض الصيني إنشاء شبكة أنفاق تحت العاصمة بيروت، وهنا قد يتقاطع العرضان الإيراني والصيني، ولا مشكلة في الأمر أبداً إذ تستطيع الحكومة اللبنانية المفاضلة بين العرضين واختيار الأفضل، ويمكن أن تتمّ الاستفادة من العرض الآخر في مدينة أخرى كطرابلس مثلاً…
إضافة إلى هذه العروض الهامة جداً بالنسبة للاقتصاد اللبناني، هناك أيضاً ضرورة إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين لبنان وسورية لما لهذا الأمر من إيجابيات كبيرة على كلّ المستويات، لا سيما على المستوى الاقتصادي وما توفره سورية للبنان من فرص للانطلاق من خلالها باتجاه الأسواق العربية الأخرى وأوّلها العراق الذي كان يستورد معظم الإنتاج الزراعي والصناعي اللبناني، فضلاً عن رغبة العراقيين الدائمة في زيارة لبنان للسياحة والاستشفاء وغير ذلك…
كلّ ما تقدّم يمكن تحقيقه بعيداً عن صندوق النقد الدولي، خاصة أنّ العروض الإيرانية والروسية والصينية لا تكلف الخزينة اللبنانية أيّ دولار، وهي عروض تفوق قيمتها الأربعين مليار دولار، بينما أقصى الطموح من الاتفاق مع الصندوق لا يتجاوز حصول لبنان على خمسة مليارات دولار قد تذهب هدراً كما ذهب غيرها سابقاً، هذا إذا لم نتحدث عما يمكن أن يحاول الصندوق فرضه من شروط على الدولة اللبنانية…!