حاكم البنك المركزي… إلى متى يبقى خارج المساءلة؟
} عمر عبد القادر غندور*
ليس أكثر من الهمّ المعيشي الضاغط ما هو أكبر من الضائقة الاقتصادية التي تكوي أكثر اللبنانيين في زمن الانهيار واستعصاء الحلول والمخارج، نتيجة ممارسات الحكومات التي أسّست لمنظومات فساد عصية على القضاء والقوانين والحكومات التي أوجدتها!
ولعلّ من أبشع فصول الضياع، السياسات المالية التي اتّبعها المصرف المركزي وحاكمه الحاكم بأمره والذي اعتمد على ما سمّاه الهندسات المالية التي أفلست البلاد والعباد بالتواطؤ والتنسيق والتناغم مع منظومة المصارف التي خانت أمانة المودعين وصادرت ودائعهم وعلى نحو ما لم يحصل في أيّ بلد في العالم، برعاية وحماية المصرف المركزي الذي اعتمد سياسات تخسيرية متعمّدة ترافقت مع الحصار الاقتصادي الأميركي الذي يشكل الحاكم بأمره رأس حربته، وضخ طوال سنوات ملايين الدولارات الى شركات AMNIOR و FORRY و TASCONA مكّنت شقيق الحاكم بأمره رجا وابنه تادي من تحويل 300 مليون دولار مقابل عمولات بيع سندات «يوروبوند» لصالح المصرف المركزي خلافاً لقانون استغلال السلطة!
وفي عزّ الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان بداية العام 2019، والتي وصفها البنك الدولي بأنها أخطر أزمة نقدية في القرن الحادي والعشرين، وأدّت الى مصادرة أموال المودعين في المصارف، كانت الشركات التي تتمتع بحماية الحاكم بأمره على رأس المستفيدين، واختار شركات مثل «سوليدير» التي يُعدّ شقيقه هو واجهتها الحقوقية للحصول على تسهيلات ائتمانية بعشرات الملايين من الدولارات في عز الانهيار المالي!
ولأنّ المحاكمة في لبنان في إجازة أصدرت محكمة التمييز في القضايا المرفوعة ضدّ رياض سلامة قراراً بحاجة إلى تفسير؟ إذ أوجبت تحريك الدعاوى ضدّ سلامة الحصول على موافقة الحاكم بأمره نفسه لتؤمّن له الحماية الداخلية على الأقلّ في ذات الوقت الذي يواجه فيه الحاكم معارك أخرى أمام ادّعاءات فرنسية وسويسرية.
وفي وثائق «باندورا» و «سويس ليكس» و «بنما» كشفت عن حروب مالية واسعة بين الملاذات الضريبية والمالية للأفضل .
وكانت صحيفة le tempذكرت انّ مصرف لبنان وحاكمه شطب 14 صفحة من تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي عام 2016 حذر فيه من الكارثة الاقتصادية التي نحن الآن في جحيمها. وتقول الصحيفة السويسرية: انّ هذه المعلومات التي شطبها الحاكم بأمره كانت ستسمح بالحدّ من المأساة التي يمرّ بها لبنان منذ عام 2000 وارتفع عدد الفقراء من 28% الى 55% في عام واحد، وحرم ملايين اللبنانيين من الوصول الى حساباتهم المصرفية.
ويقول مصدر قضائي إنه لا يستغرب مظلة الحماية السياسية فوق رأس رياض سلامة طالما النظام قائم على مبدأ «مرقلي بمرقلك»، وأكثر ما يثير الريبة هم كمّ التحايل والتذاكي على القانون والتناقضات معاً، وانّ الحاكم بأمره متورّط حتى العظم بالتواطؤ مع آخرين، ومع ذلك هو فوق القانون والمساءلة، ويوم الاثنين الماضي ادّعت المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون على رياض سلامة بالتدخل في عمليات تبييض الأموال للمرة الرابعة، فيما لجنة الرقابة على المصارف غائبة عن السمع.
مثل هذا التمرّد على القانون والارتهان لغير المصلحة الوطنية وخاصة في المسائل المالية التي تتناول السياسات المالية التي يقوم عليها الاقتصاد، والتي أدّت الى إفلاس الدولة وانعدام الثقة بالمصارف واستغلال السلطة في بلد تتنوّع فيه الولاءات، ما أدّى الى السطو على الودائع وتهريب الأموال الأجنبية وتبييض الأموال وانهيار العملة الوطنية بنسبة 80%، والغريب أن يحصل هذا الكمّ من الجرائم المالية من غير ان يتجرّأ مسؤول على مساءلة القائمين على الشأن المالي وفي مقدّمهم حاكم المصرف المركزي الذي تحيط به اليوم وبالأمس غلالات من الاتهامات الداخلية والخارجية حتى تجاوزت مرحلة الادّعاء المباشر، حتى تعاظمت المصيبة ليس في ظلم الظالم بل بصمت المظلومين…!