التحقيق وانفجار المرفأ… والفرز الطائفي
ناصر قنديل
– دخل ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت المرحلة السياسية الحرجة مع تحوله إلى بند خلافي على جدول أعمال الحكومة، وبات واضحاً نجاح التجييش الطائفي الذي رافق اللحظة الأولى من الانفجار للتركيز على اعتبار الضحايا والأحياء المصابة من لون طائفي واحد، وتجاهل الطابع الجامع للكارثة التي وحدت اللبنانيين بدماء ضحاياهم وخسائر بيوتهم ومنشآتهم الاقتصادية، ولم تميز بين طائفة وأخرى، ونجح التجييش الطائفي الإعلامي والسياسي بالانتقال إلى البيت القضائي والحقوقي، سواء على مستوى تسمية المحقق العدلي الأول والثاني، أو على مستوى تموضع نقابة المحامين، وصولاً لمقاربة وسائل الإعلام، كما كان واضحاً ويزداد وضوحاً أن اليد الأميركية كانت حاضرة في كل هذه المحطات، تشجع وتحرض وتضع الأولويات، وصولاً للإيحاء بالرعاية للمحقق العدلي من باب وصفه بالنزاهة من الكونغرس الأميركي.
– منذ اليوم الأول للأحداث التي انطلقت في الشارع اللبناني في تشرين 2019 حضر الدبلوماسي الأميركي السابق جيفري فيلتمان ليقول إن قيمة ما يجري بأنه يفتح الباب لقيادة تحول على المستوى النيابي في الساحة المسيحية، ومنذ ذلك التاريخ بدأ خلق مناخ إعلامي وسياسي لشيطنة حزب الله وتصويره من دون أي مقدمات وبشكل مفارق لكل المعطيات وحجم الأدوار والمسؤوليات، سبباً للأزمة الاقتصادية والمالية، وشيئاً فشيئاً كان هذا الخطاب المفتعل الذي أدى لخسارة تحركات تشرين شارعها الإسلامي، يتحول إلى خطاب رسمي للإعلام المخصص لمخاطبة الشارع المسيحي، ويجد التيار الوطني الحر نفسه محاصراً بشارع يستدرجه شيئاً فشيئاً إلى خطاب مختلف مع حليفه الاستراتيجي الذي يمثله حزب الله تحت شعار الحاجة الانتخابية، حتى جاء تفجير مرفأ بيروت، وتمت برمجة مشهد التحقيق والشارع تحت العنوان الطائفي، ليجد التيار والعهد أنهما أسرى معادلة عنوانها دعم التحقيق والمحقق، على رغم الشعور ببعض الاستهداف في مفاصل التحقيق، وعلى الرغم من عدم منح الأذون لملاحقات طلبها المحقق، بقي خطاب التيار محكوماً بهذه الشعبوية الطائفية وأسيراً لها، تحت شعار اذهبوا إلى المحقق ودعوه يكمل مهمته، ورفض معادلة محاكمة الرؤساء والوزراء أمام المجلس الأعلى المخصص دستورياً لمحاكمتهم، والشراكة في لعبة التعبئة تحت عنوان لا للحصانات.
– في ظل موقف للمرجعيات الدينية المسيحية الداعمة للمحقق والمشككة بكل اعتراض على إجراءاته، مقابل مواقف واضحة للمرجعيات الإسلامية تشكك بسلامة التحقيق وأداء المحقق، يكتمل الانقسام السياسي بوقوف القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر على أرضية واحدة من التحقيق، والمحقق، مقابل موقف موحد لتيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله، ولا يفيد تمايز تيار المردة مسيحياً، والحزب التقدمي الإشتراكي إسلامياً، بموقفين متعاكسين بين التشكيك والتأييد، في تغيير الاصطفاف الطائفي، الذي يقسم المجتمع ويقسم البرلمان وبدأ يهدد وحدة الحكومة، كما يصيب المناخ القضائي والحقوقي، بحيث يبدو البلد كله في متاهة الانقسام الخطير التي لم يعرفها منذ نهاية الحرب الأهلية.
– مقاربة حزب الله لملف التحقيق ليست مجرد تحسب لأهداف يستشعرها الحزب من حركة المحقق لتركيب ملف اتهامي مباشر أو غير مباشر يخدم مهمة شيطنة الحزب، بل هي محاولة لإخراج الاستقطاب حول القضية من الاشتباك الطائفي، والرهان على العلاقة الخاصة التي تربط الحزب بالتيار الوطني الحر للوصول إلى موقف حكومي يتيح نقل النقاش حول التحقيق من اللعبة الشعبوية الخطرة بدرجة سخونتها وأرضيتها الطائفية، إلى مسار قانوني بارد وتقني يقوم على معادلات بعيدة عن لعبة الشارع من جهة، والتوظيف السياسي من جهة موازية، فهل ينجح أم يبقى الانقسام ويتجذر لأنه جزء من عدة تحضير البلد لدخول الانتخابات مع مطبات سياسية وإعلامية، وفي ظل تشنج طائفي مكهرب على التوتر العالي، يصيب الاصطفافات والتحالفات بشظاياه؟