«كمين» العدلية يفضح المخطط ومدّعي «الثورة» البيطار «حصان طروادة» لاقتحام عرين المقاومة
} محمد حمية
لا يختلف اثنان في لبنان على أنّ حرية التعبير والتظاهر حقٌ مقدس لأيّ تنظيم أو جماعة شعبية أو سياسية، ومكفول في الدستور في أغلب دول العالم وفي المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان. لكن الخلاف يقع أغلب الأحيان على القضية التي من أجلها يتمّ التظاهرات إلا في تظاهرة المتحف أمس فالمعايير المزدوجة لدى بعض قادة الأحزاب والسياسيين هي الحاكمة في مقاربة هذا الحق. فالقانون وحقوق الإنسان يمنحان أيّ فرد أو جماعة حق التعبير عن الرأي منها التظاهر شرط التقيّد بالقوانين وحفظ حقوق الغير والأملاك الخاصة والعامة والسلم الأهلي.
من هذا المنطلق نظمت تظاهرة نقابية طلابية شعبية دعت إليها أحزاب أمل وحزب الله والمردة اعتراضاً على أداء المحقق العدلي في قضية المرفأ طارق البيطار والمطالبة بتنحيته عن الملف بعدما سُدّت كافة الأبواب أمام المدّعى عليهم الذين يمثلون هذه الأحزاب لتنحية البيطار، سواء أمام المحاكم المدنية أو في مجلس الوزراء أو عبر مجلس القضاء الأعلى. فكانت التظاهرة أحد الخيارات السلمية المتاحة وحافظت على سلميتها حتى تعرّضت لكمين محكم ومدبّر بإتقان من جهات خارجية وتنفيذ جهة داخلية معروفة لها الباع الطويل في أعمال كهذه، وقد سقط عدد من الشهداء والجرحى عن طريق القنص المباشر بالرأس.
لا مجال للدخول في تحديد المسؤوليات عن هذه الجريمة النكراء، فالجهات الأمنية والقضائية المختصة هي المعنية بكشف الحقيقة، لكن هوية مكان الجريمة والحزب المسيطر فيها والجهات التي هدّدت مباشرة عشية التظاهرة بـ «شارع مقابل» وبـ «إقفال المنطقة» وبحماية المحقق العدلي، تشكل جميعها خلفيات وشواهد وإخبارات للقضاء وتندرج في خانة التحريض والمحرّض في القانون كالمشترك في الجريمة، ما يسهّل تحقيقات الأجهزة الأمنية والقضائية لكشف الحقيقة وسوق المرتكبين ومن حرّضهم إلى المحاكمة.
وما يُثير الدهشة والريبة هو أنّ بعض مُلهمي «الثوار» و»الثورة» تجاهلوا حجم الخسائر والدم الذي أزهق في الشارع ووجّهوا أصابع الإنتقاد لقيادتي أمل وحزب الله والمردة على تنظيم تظاهرة ضدّ مؤسّسة قضائية أو قاضٍ يمثل هذه المؤسسة! علماً أنّ هؤلاء أنفسهم لطالما كانوا يدعون مناصريهم للمشاركة في التظاهرات في الشارع أو يختبئون خلف «الثوار» ويمارسون أبشع الأعمال الميليشياوية من قطع الطرقات أمام المواطنين والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة والعامين الماضيين حافلين بهذه المشاهد التي أدّت إلى خسائر في الأرواح والممتلكات في مناطق عدة، فيما كان هؤلاء من رئيس القوات سمير جعجع ورئيس الكتائب سامي الجميّل ينتقدون أيّ موقف ضدّ أعمال العنف واحتجاز المواطنين لساعات في السيارات على طريق بيروت ـ الجنوب، ويعتبرون أنّ هذه أعمال ثورية ومحقة وتندرج ضمن إطار حرية التعبير. في مقابل أنّ أقسى ردّ فعل قام به جمهور أمل وحزب الله عندما كان «ثوار» ساحتي الشهداء ورياض الصلح يشتمون قياداتهم، هو «إحراق» خيم أو استخدام العصي ولم تصل إلى القنص المباشر على الرؤوس!
فإذا كان «حراك الثورة» وأعمالها التي هدّدت أمن المواطنين وحركتهم وأملاكهم حقاً، فلماذا يعتبرون أنّ تظاهرة المتحف هي اعتداء على المؤسسات وتهديد لقاضٍ؟ ولماذا عمد جعجع والجميّل إلى التهديد المسبق بالشارع المقابل؟ علماً أنّ إطلاق النار بدأ في اللحظات الأولى لتجمع المتظاهرين بحسب بيانات الجيش ووزارة الداخلية وشهود عيان وبياني أمل وحزب الله. ولم تشهد التظاهرة أيّ خروج عن الإطار السلمي ولم تمسّ سلامة وممتلكات الآخرين ولا الممتلكات العامة، ولم تصل إلى قصر العدل ليعتبر المعتدون عليها أنها ستهدّد أمن القاضي العدلي، ولم تمُرّ في مناطق «القوات» إلا إذا كانت «العدلية» ملكاً لـ «القوات» مسجلة في الدوائر العقارية!
فتظاهرة المتحف تكشف المعايير المزدوجة التي يكيلها جعجع والجميّل وآخرون، فهؤلاء مع «ثوار الساحات» رغم كلّ أعمال العنف والفوضى، وفي الوقت نفسه يصطفون ضدّ تظاهرة سليمة في المتحف لا ذنب لها سوى أنها مرت في محاذاة مناطق تخضع للنفوذ المباشر للقوات.
أما كمين العدلية فيفضح ما هو أعظم، إنه يخفي قراراً خارجياً بتنفيذ داخلي لحماية البيطار من أيّ ضغط شعبي وسياسي لإنقاذ المشروع الذي يحمله. وإلا لماذا تحركت تلك الأحزاب للدفاع عن البيطار وما العلاقة بينهما؟ فالمخطط يقضي بحسب العارفين بخفايا الملف وما تضمره السفارة الأميركية في عوكر، هو الإسراع بإصدار مذكرات التوقيف وإحالتها إلى التنفيذ لكي يصبح الوزراء خليل وزعيتر وفنيانوس ملاحقين وفارّين من وجه العدالة وتعطيل مجلس الوزراء الذي بدأ بالانفتاح على سورية وايران واستقبال وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان، بالتوازي مع تركيب شاهد زور ليكون الشاهد الملك (أحد كبار الموظفين في المرفأ الموقوفين بالقضية) ليشهد بأنّ حزب الله نقل النيترات، مقابل إخلاء سبيله وتبرئته من التهم الموجهة إليه، ومن ثم يصدر البيطار قراره الظني بالإستناد إلى شهادة «الموظف» ويرمي الكرة إلى ملعب المجلس العدلي بإحالة الملف إليه ويتنحّى عن القضية وتنتهي مهمته ليبقى حزب الله متهماً أمام الرأي العام اللبناني والعالمي حتى تثبت براءته وليس بريئاً حتى تثبت إدانته بحسب القاعدة القانونية. وبذلك يبقى عالقاً في أذهان اللاوعي الجمعي لأهالي الشهداء والمتضرّرين والموقوفين واللبنانيين عموماً بأنّ الحزب متهم، لكي تبقى القضية مفتوحة على الاستثمار والإبتزاز السياسي وسيفاً مسلطاً على رقبة المقاومة وتبدأ ملاحقة الحزب لسنوات عبر القضاء اللبناني أو الدولي لاحقاً كما حصل في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري واتهام الضباط الأربعة ثم تبرئتهم بعد 4 سنوات من المحكمة الدولية لغياب أيّ دليل وبعدها اتهام سورية ثم حزب الله.
هناك من أعدّ البيطار ليكون «حصان طروادة» لاقتحام بيئة وعرين المقاومة الحصينة والمحصّنة على مشاريع كبيرة عدة. فهل نكون عشية مشروع شبيه بمشروع ما بعد اغتيال الحريري؟