أولى

لا لن تكون«بوسطة» جديدة

 معن بشور _

كثيرون تخوّفوا أن تكون الأحداث الدامية التي شهدتها العاصمة اللبنانية الخميس الفائت مشابهة لتلك التي سبقت اشتعال الحرب اللبنانية اللعينة في 13 نيسان/ أبريل 1975 بعد مجزرة بوسطة عين الرمانة التي ارتكبت في المنطقة ذاتها وعلى يد مجموعة تنتمي للمدرسة الفكرية السياسية التي يشتبه بانتماء مجموعة القنّاصين إليها، والتي أدّى قنصها لمتظاهرين سلميين ومدنيين عاديين إلى ارتقاء 7 شهداء وجرح 30 آخرين إصابات بعضهم بالغة وخطيرة.

كما أنّ الغليان السياسي والاجتماعي الذي يعيشه لبنان هذه الأيام شبيه بذاك الغليان الذي كان يعيشه اللبنانيون في النصف الأول من سبعينات القرن الفائت، بسبب الهجمة على المقاومة الفلسطينية وحلفائها الوطنيين اللبنانيين.

لكن الأسباب التي تجعلني أرى ظروف اليوم مختلفة عن ظروف الأمس هي:

1 ـ إنّ اللبنانيين بأغلبيتهم الساحقة لا يريدون تكرار حرب دفعوا، وما زالوا، أثماناً باهظة لها على مستوى عشرات آلاف الضحايا وكافة الأصعدة الأخرى.

صحيح أنّ التراشق الكلامي بين القوى السياسية المتعددة وصل، ويصل، إلى أكثر مستوياته حدة، لكن أصحابه يدركون أنّ لكلامهم سقفاً لا يقبل اللبنانيون بتجاوزه وهو سقف السلم الأهلي.

2 ـ إنّ القراءة المعمّقة للأوضاع الإقليمية والدولية تشير إلى أنّ الدول المتصارعة في المنطقة والعالم تتجه نحو إقفال الحروب القائمة وليس إشعال حروب جديدة، بالتالي فهذه القوى تدرك أنّ إشعال حرب في لبنان لن تكون في صالحها أبداً، من دون أن يعني ذلك أنّ القوى الصهيونية والاستعمارية لن تألو جهداً في ممارسة شتى أنواع الضغوط على لبنان ومقاومته ومسؤوليه لمحاصرة الوهج المقاوم المنطلق من لبنان باتجاه عموم المنطقة وهو وهج يخيف الأعداء بقدر ما يخيفهم سلاح المقاومة نفسه، لذلك ستستمر محاولات شيطنة المقاومة وحلفائها مستفيدة من ثغرات وأخطاء في أداء المقاومة وسلوك حلفائها.

3 ـ إنّ الحرب كرقصة التانغو تحتاج إلى راقصَيْن اثنين، وإذا رفض أحدهما الرقص فلا تتمّ الرقصة .

وفي لبنان، معادلة تحدّثنا عنها منذ انقسام القوى السياسية إلى 8 و 14 آذار، وهي أنّ القادر على إشعال حرب ليس راغباً بإشعالها والراغب بإشعالها ليس قادراً على ذلك .

 وأعتقد أنّ هذه المعادلة ما زالت صالحة حتى اليوم.

4 ـ إنّ من يُتابع تطوّر موازين القوى الإقليمية والدولية يلاحظ أن المحور المعادي لقوى المقاومة في المنطقة والعالم يعاني من تراجع وارتباك، فيما محور القوى المناهضة للإمبريالية في صعود ومحور القوى المقاومة للمشروع الصهيوني في تقدّم، مما لا يسمح لقوى المحور الأميركي الصهيوني وأتباعهما أن تخوض حروباً احتمالات فشلها أكثر من احتمالات نجاحها، كما رأينا في الحروب على العراق ولبنان وفلسطين واليمن وأفغانستان، كما أنّ المحور الآخر الذي يرى تقدّمه يحصل كلّ يوم لا يشعر بالحاجة لإشعال حروب لن تحقق له من مكاسب أكثر مما يحققه من دون حروب.

5 ـ إنّ في لبنان جيشاً وطنياً يحظى بتعاطف اللبنانيين وباحترام عربي وإقليمي ودولي متكامل مع قوى أمنية فاعلة ومحلّ ثقة، بالتالي فالكل مؤهلّ للمعالجة المعنية العاجلة لأيّ خرق أمني بما يحول دون توسعه… كما جرى في أحداث عدة كان يمكن أن تتطوّر بشكل دراماتيكي إلى حرب أوسع…

لهذه الأسباب الخمسة، وغيرها، أعتقد أنّ من يظنّ أنّ بإمكانه أن يستعيد مشهد «بوسطة عين الرمانة» وما تلاه مخطئ… ومخطئ أيضاً من يظنّ أنّ محاولات «التحرّش» الأمني والسياسي والاقتصادي بلبنان ستتوقف في المدى المنظور.

*المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى