«تصفير» الليرة… كلّ شيء بالدولار إلا الودائع جرائم «الحاكم» مستمرة ولا مَن يحاسب…؟!
} أحمد بهجة*
لطالما حذرنا، نحن وغيرنا، ومنذ فترة غير قصيرة، من الاستمرار في اعتماد السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية الخاطئة التي توصِلنا إلى الأسوأ، بل إلى الكارثة. ولأنّ أحداً لم يأخذ بما كنا ندعو إليه، ها نحن اليوم في خضمّ ما كنا نحذر منه. وأكثر من ذلك قد نصل بعد إلى أيام أسوأ بكثير بحيث قد نترحّم على ما نحن فيه اليوم رغم قساوته وفظاعته على الغالبية العظمى من المواطنين.
الجريمة الكبرى بحق لبنان واللبنانيين هي التي ارتكبها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وهو الذي يجب أن يُسمّى «الحاكم بأمره» لأنه لا يأتمر بأوامر السلطات المحلية إنما يعمل منفرداً ويُنفذ ما يتبلغه من تعليمات خارجية ليس هدفها إلا إغراق البلد أكثر وأكثر في الأزمات المستعصية التي لا يمكن الخروج منها تحتاج إلى جهود كبيرة وقرارات جريئة للخروج منها.
هناك مَن يقول إنّ سياسة الدعم التي أقرّتها حكومة الرئيس حسان دياب كلفت الخزينة أكثر من 10 مليارات دولار خلال سنة ونصف السنة تقريباً، وبالتالي انّ هذه السياسة هي التي استنزفت جزءاً كبيراً من احتياطات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية حتى وصلنا اليوم إلى ما دون الـ 13 مليار دولار هي ما يُسمّى الاحتياطي الإلزامي.
قبل مناقشة هذا الرأي والردّ عليه، لا بدّ من التذكير بأنّ احتياطات المصرف المركزي من العملات الأجنبية بلغت في أيلول 2019 حوالى 35 مليار دولار من دون احتساب قيمة الاحتياطي من الذهب، كان ذلك طبعاً عشية «ثورة» 17 تشرين الأول 2019 الشهيرة.
هنا، وبحسابات بسيطة جداً يتبيّن أنّ هناك 12 مليار دولار اختفت من دون أن يخبرنا أحد أين ذهبت، وذلك وفق أرقام مصرف لبنان نفسه، حيث أنّ ما بقي اليوم من احتياطي هو أقلّ من 13 مليار دولار، وما صُرف على الدعم خلال سنة ونصف السنة بلغ 10 مليارات دولار، إذن هناك 12 مليار دولار لا يعرف أحد أين ذهبت، (هي الأموال التي تمّ تهريبها إلى الخارج من قبل سياسيين وإعلاميين ورجال دين وأصحاب مصارف في فترة إقفال المصارف في الأسبوعين الأولين من «الثورة») وهذا ما يأمل اللبنانيون أن يكشفه التدقيق الجنائي الذي انطلق في مصرف لبنان، والذي نأمل جميعاً أن يكشف لنا كلّ الجرائم المالية المرتكبة منذ ثلاثين سنة…
اليوم، هناك جريمة أخرى وكبيرة جداً لا بدّ من الإضاءة عليها، وهي «تصفير» قيمة الليرة اللبنانية في الأسواق، بما يعني أنّ كلّ السلع فعلياً صار سعرها بالدولار الأميركي ويتمّ احتساب قيمة أيّ سلعة عند شرائها حسب سعر صرف الدولار، حيث لم يعد هناك سعر ثابت لأيّ سلعة، (باستثناء سعر ربطة الخبز، حيث لا تزال وزارة الاقتصاد تحدّد سعرها ولكن وفق ما هو متغيّر في أسعار المواد الداخلة في صناعة الرغيف).
يحصل هذا بالموازاة مع المجزرة المستمرة منذ سنتين بحق ودائع اللبنانيين، حيث كلّ السلع يتمّ احتسابها وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء، باستثناء مليارات الدولارات العائدة للمودعين والمجمّدة بل المحتجزة في المصارف اللبنانية، والتي يتمّ إعدامها من خلال السماح لأصحابها بسحبها على سعر 3900 ليرة للدولار، وهي سرقة موصوفة يتمّ من خلالها تصفية مئات آلاف الحسابات، بما فيها من مئات ملايين الدولارات… وهذا ما يساعد المصارف ومعها «الحاكم» ما غيره على تقليص حجم الخسائر وردم جزء من الثقب الأسود الذي قدّر حجمه بنحو 83 مليار دولار وفق الأرقام الدقيقة إلى حدّ كبير، الواردة في خطة التعافي المالي والاقتصادي التي وضعتها حكومة الرئيس دياب، لكن جهابذة المصارف ومعهم عدد لا بأس به من النواب، خاصة في لجنة المال والموازنة، وبالتنسيق مع «الحاكم» طبعاً، تولوا إفشال الخطة، علماً أنّ الوفد المفاوض من قبل صندوق النقد الدولي كان قد أشاد بها وبحرفية الذين أعدّوها، لكن استقالة الحكومة بعد انفجار مرفأ بيروت جمّدت كلّ شيء…
وفيما تستعدّ الحكومة الحالية لمعاودة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لا بدّ أن تضع في أولوياتها حماية أموال الناس، المقيمين والمغتربين والمودعين من العرب والأجانب، كما لا بدّ من وضع حدّ لتحكّم هذا «الحاكم» وتلاعبه بكلّ هذه المقدّرات التي يخسرها أصحابها بعدما اعتقدوا يوماً أنّ أموالهم لا تأكلها النيران…!