هل تتكرّر أسطورة فوز سلحفاة الشعب على أرنب السلطة المغرور
} علي بدر الدين
قد يقول قائل ان لا فائدة مرجوّة من الكلام الذي بلغ أطناناً، ضدّ الطبقة السياسية والمالية، لأنها محمية ومحصّنة، وتملك السلطة والمال والقوة والنفوذ والقرار والشعب تحديداً، لأنها نجحت خلال عقود من تحكمها به، في تدجينه وإضعافه وتركيعه وسلبه حقوقه وإرادته، وكلما قست عليه ازداد التصاقاً بها، وحاجة إليها، وبات أكثر طواعية وتنفيذاً لأوامرها، لأنها أدركت بالتجربة نقاط ضعفه الكامن في غرائزه وعصبياته الطائفية والمذهبية والزعائمية والمناطقية، وكلما حاول رفع صوته للمطالبة بحقوقه المهدورة والمسلوبة والمصادرة، وأرفض وموجهة فقره وجوعه وحرمانه والذلّ اللاحق به، يواجه بسياط الجلاد الجاهزة لسلخ جلده وإعادته إلى الحظيرة مطأطأ الرأس لا حول ولا قوة له ولا إرادة.
الأنكى أنّ هذه الطبقة المتمرّسة بالحكم، لا تزال تنتهج سياسة الفساد والمحاصصة، ومتماسكة كالبنيان المرصوص، لا أحد في الداخل أو الخارج، قادر او راغب، في فرط عقدها، أو فتح كوة أو ثغرة في جدارها السلطوي، أقله لزحزحتها ولو بمقدار أنملة عن عرش السلطة، الذي جعلت منه ملكية حصرية لها ومتوارثة، وإن تبدّلت قليلاً الأسماء والوجوه والمواقع.
من حق هذا القائل، أن يتساءل بألم وحسرة وغصة عن جدوى الكلام الكثير، الذي قيل ويقال بحقّ مكوّنات السلطة بالجملة أو المفرّق لأنه من دون طائل، وعجز عن التغيير، أو إسقاط منظومتها رغم ما ارتكبته واقترفته منذ عقود متتالية، بحق الوطن والدولة والشعب والمؤسسات وأوصلتهم إلى الهاوية، وإلى جهنم وبئس المصير. انه تساؤل صحيح ومشروع في مكانه وزمانه، لأنّ المطلوب الملحّ هو الفعل دون سواه، ولكنه لغاية الآن مفقود ومعدوم، ودونه عقبات ومصاعب وتعقيدات، مصدرها وأساسها النظام السياسي الطائفي والمذهبي والسلطوي والتحاصصي، الذي تمّ اعتماده، مسلحاً بالتحاصص والترهيب والقمع، ومقيّداً قهراً وغصباً بالأنظمة والقوانين المعمول بها، بما يخدمه والطبقة السياسية التي ولدت من رحمه، وظلت أمينة ووفية له، ومنها ما سُمّي، فصل السلطات التي قد تكون حقاً، يُراد به باطلاً، يتجلى واضحاً بدكتاتورية الحكام، الذين حوّلوا هذه السلطات الى مزارع خاصة لهم، ومنعوا الاقتراب منها تحت أيّ ظرف لأن دون ذلك أخطار طائفية ومذهبية قد تهدّد المصير الوطني برمته، وتفتح أبواب الفتن المتنقلة والحروب الأهلية على مصراعيها،
وعانى اللبنانيون كثيراً منها، ولا يزالون يخشون حصولها، كلما «دقّ كوز أحدهم بجرة هذه الطائفة او المذهب او المسؤول او المنطقة أو الحي، لأنه بالنسبة للبعض «دق» بالمحرمات والمقدسات والكرامات، وتفسّر على أنها اعتداء سافر، لا يمكن القبول به أو السكوت عليه، وان شكلت تهديداً لـ «لسلم الأهلي» الهش، وهذا لا يهمّ، لأنّ المهمّ أن تحافظ هذه الطبقة على مكانتها وهيبتها ومكتسباتها ومصالحها، وعلى بيئاتها الحاضنة المدعوسة والفقيرة والجائعة والمنهوبة، التي عليها أن تتحمّل ما آلت اليه أحوالها، لأنها ارتضت بما حلّ بها، وبما سينتظرها من مآس ومعاناة وكوارث في الآتي من الأيام التي ستكون أقسى وأشدّ خطراً.
الفعل هو المطلوب أولاً وأخيراً من الشعب قبل غيره، ومن ما بقي منه، لأنّ قسماً هاجر على عجل، وأعداده كبيرة ومخيفة، والحبل على الجرار، والقسم الآخر يموت يومياً بوسائل مختلفة، وإنْ كان بعضه على قيد الحياة، يأكل ويشرب ويتنفس من خاصرته، وهذا ما لا يمكن التعويل عليه، لأنّ قواه الذاتية الجسدية والنفسية قد خارت، وهو حتماً بحكم الأموات، ومن الخطأ، بل الخطيئة الكبرى، لأنّ الرهان على الطبقة السياسية المتربعة على قمم السلطة، ليست بوارد تحسين أدائها أو تغيير سلوكها السياسي والسلطوي، أو التخلي عن كراسيها، بالانتخابات النيابية المقبلة أو بغيرها، أو كرمى لعيون شعبها، لأنه الوقود الذي يشعله، لتضيء به طرق أمجادها السياسية والمالية والسلطوية، سابقاً وحاضراً ومستقبلاً.
هذه الطبقة مطمئنة بكلّ الأحوال وأكثر من اللازم، بل هي واثقة، جداً، بأنّ شعبها وبيئاتها لن يخذلانها، لا في الانتخابات النيابية ولا في غيرها.
علّ وعسى يكون الرهان على أسطورة سباق الأرنب والسلحفاة، بحيث تستكين هذه السلطة إلى قوتها وجبروتها وغرورها وفوزها السهل والمتوقع في هذه الإنتخابات ان حصلت في موعدها، فتسترخي وتغفو، وتستفيق على فوز سلحفاة الشعب الطامح بداخله إلى كسرها وإزاحتها ولو قليلاً عن سلطة اغتصبتها.
سئل حكيم، ما هو الصعب وما هي القسوة؟ أجاب: «الصعب ان تضحي بنفسك لأجل شخص واحد»، والقسوة هي «ان يخونك هذا الشخص». والمثل الشعبي يقول: «الساكت عن الحق شيطان أخرس»، واللبيب من الإشارة يفهم.