سورية وحرب الاستنزاف… ومعركة تحديد المصير؟
هشام الهبيشان
مع قرب انطلاق مسار الحلول الغامضة وحتى الآن بجولتها الثانية والخاصة بالوصول إلى حلّ سياسي للحرب المفروضة على الدولة السورية، في العاصمتين الروسية والمصرية في نيسان المقبل، استكمالاً لمنتدى موسكو واجتماعات توحيد المعارضة السياسية في القاهرة، مروراً بالحديث عن طرح جديد لمبادرة دي ميستورا، يبدو واضحاً في هذه المرحلة أنّ مسار الحلول «السياسية» ما زال مغلقاً حتى الآن، وخصوصاً أنّ استراتيجية الحرب التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها تجاه سورية بدأت تفرض واقعاً جديداً، فلم يعد هناك مجال للحديث عن الحلول السياسية، فما يجري الآن ما هو إلا حرب استنزاف لسورية، ومن ينظر إلى العملية العسكرية الكبرى التي كان مخططاً تنفيذها في مدينة القنيطرة وريف درعا الجنوبي الغربي بقيادة ما يسمى «معارضة معتدلة» تتحالف مع «إسرائيل»، بدعم استخباراتي إقليمي واسع، والتي أفشلها الجيش السوري بضربة جوية استباقية خلال الساعات القليلة الماضية، سيلاحظ بوضوح أنّ التعويل على الحلّ السياسي في سورية، في هذه المرحلة تحديداً، فاشل بكلّ المقاييس، لأنّ الرهان اليوم هو على الميدان فقط.
هناك معلومات موثقة تقول إنّ الدولة السورية تتعرض لحرب استنزاف كبرى، وتشير إلى أنّ هناك ما بين 21 و24 ألف مسلح يقاتلون في شكل كيانات مستقلة مثل «داعش و«النصرة»، أو في صفوف ما يسمى «قوات المعارضة السورية». وتفيد المعلومات عينها، بأنّ هناك حولي 90 ألف مسلح سوري يقاتلون الجيش السوري، وهؤلاء عبارة عن أدوات في يد أجهزة استخبارات الدول الشريكة في المؤامرة على سورية، وأنّ هناك حوالي 20 جهاز استخبارات غربي وعربي وإقليمي يعمل اليوم داخل أراضي سورية.
إنّ أدوات الحرب المذ كورة كادت، خلال فترة ما، أن تنجح في إسقاط سورية في الفوضى العارمة، لولا يقظة الدولة السورية منذ اللحظة الأولى لإنطلاق الحرب عليها، فقد أدركت سورية حجم خطورة الحرب مبكراً، وتنبهت لخطورة ما هو قادم. ورغم حجم الدمار الهائل الذي أصابها سورية بعد أربع سنوات من التدمير الممنهج والخراب والقتل والتهجير، تمكنت من الصمود.
ومع استمرار فصول الصمود السوري أمام موجات الزحف المسلح إلى العاصمة دمشق، وانكسار معظم هذه الموجات على مشارفها، وأمام عجز الدول الشريكة في الحرب عن إحراز أي اختراق، انتقلت هذه الدول إلى حرب الاستنزاف لكلّ موارد وقطاعات الدولة السورية في محاولة أخيرة لإسقاطها.
عندما نجد أنّ كمّاً هائلاً من المسلحين العابرين للقارات والمدججين بالسلاح قد أدخلوا إلى سورية خلال الفترة الأخيرة، وبعضهم ينتظر دوره للدخول إلى معسكرات تركيا والسعودية، يتضح لنا أنّ الهدف من التوريد المستمرّ للإرهاب هو ضرب منظومة صمود سورية وعقيدة جيشها واستنزاف قدراته اللوجستية والبشرية، لأنّ تفكيك الدولة وجيشها الوطني هو الشرط الأساسي لاستكمال تفكيك مجتمعها.
رغم ذلك ما زالت الدولة السورية قادرة على أن تبرهن للجميع أنها قادرة على الصمود، والدليل على ذلك قوة وحجم التضحيات والانتصارات التي يقدمها الجيش السوري بعقيدته الوطنية والقومية الجامعة، والتي انعكست مؤخراً بظهور حالة واسعة من التشرذم لما يسمى بقوى المعارضة المسلحة. إنّ حالة التشرذم داخل هذه المجاميع المسلحة، يقابلها حالة صمود وصعود لقوة الجيش السوري في الميدان، وإن استمرّ هذا الصعود فمن شأنه أن يضعف الجبهة الدولية الساعية إلى إسقاط سورية بكلّ الوسائل والسبل.
إنّ استمرار انتفاضة الجيش السوري الأخيرة في وجه كلّ البؤر المسلحة في العاصمة دمشق وريفها خصوصاً، وفي جنوب سورية درعا والقنيطرة والشمال حلب وإدلب ، ستشكل حالة واسعة من الإحباط والتذمر عند الشركاء في هذه الحرب المفروضة على الدولة السورية، ما سيخلط أوراقهم وحساباتهم لحجم المعركة من جديد.
إنّ حديث السفير الأميركي السابق في سورية وعرّاب الحرب عليها ومهندس ما يسمى الائتلاف السوري روبرت فورد، عن فشل أميركا في قيادة الحرب على سورية ودعوة واشنطن إلى التدخل المباشر، ماهو إلا دليل على سقوط جميع رهانات واشنطن وحلفائها على ما يسمى «المعارضة المعتدلة»، وبذلك بات واضحاً أنّ بعض القوى التي كانت سابقاً شريكاً أساسياً في الحرب على سورية بدأت بالاستدارة والتحول في مواقفها وقامت بمراجعة شاملة لرؤيتها المستقبلية لهذه الحرب، وهذه الاستداره لم تأت إلا تحت ضربات وانتصارات الجيش السوري الميدانية، وبعد تضييقه الخناق على المسلحين في كثير من مناطق دمشق وريفها، ودرعا والقنيطرة وريفهما، وحلب وريفها.
من هنا نستطيع أن نقرأ أنّ الأدوار والخطط المرسومة، في شأن الحرب على سورية، قد تغيرت وآخر الخطط التي ما زالت تعمل بفعالية نوعاً ما حتى الآن على الأرض هي حرب الاستنزاف، وقد استطاعت سورية أن تصمد وبقوة كما صمدت أمام خطط سابقة وسوف تتمكن من حسم المعركة، ميدانياً، خلال فترة زمنية متوسطة الأجل، لن تتجاوز ربيع عام 2016، والسبب أنّ خطة الاستنزاف التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها في سورية لها أمد معين وستنتهي بانتهاء مدة صلاحيتها، وبذلك تكون سورية أمام آخر خطط الحرب الغير مباشرة عليها، بعد أن تحسم مبكراً هذه الحرب المفروضة عليها.
ختاماً، على الدولة السورية اليوم، وبكلّ أركانها، تمتين الجبهة الداخلية أكثر وأكثر، حتى وإن كان ذلك على حساب تنازلات مجتمعية مصالحات وطنية كبرى وعقلانية تقوم بها الدولة السورية، للتخفيف من وطأة هذه الغزوة الأخيرة، وإن نجحت في ذلك واستطاعت بناء تحالفات جديدة مع قوى مجتمعية سورية كبرى في الداخل السوري، من خلال تنازلات عقلانية ومهيكلة تقدم لهذه القوى، ستكون بلا شك قد قطعت شوطاً كبيراً في مشروع الانتصار الأكبر على حلف دولي كان وما زال يطمح إلى إسقاطها.
كاتب وناشط سياسي ـ الأردن
hesham.awamleh yahoo.com