مأرب محاصرة بعد سقوط المحافظة بيد الأنصار… وحشود تركية بمواجهة قسد تخلط الأوراق / إحاطة دولية وعربية بالحكومة لحفظ الاستقرار تكسر الحصار السعودي… ووساطة قطرية / معادلة قرداحي: ثمن الاستقالة تراجع سعودي عن الإجراءات العدائية بحق لبنان /
كتب المحرر السياسي
وسط تطورات متسارعة في المنطقة، شمالاً وجنوباً، تتفاعل أزمة الحصار السعودي الخليجي على لبنان، ففي جنوب المنطقة، في اليمن أنجز الجيش واللجان الشعبية وأنصار الله تحرير مديريات محافظة مأرب، وأصبحت المدينة محاصرة، فيما بدأ الوجهاء وشيوخ القبائل بوساطات ومفاوضات لتسوية تضمن دخول أنصار الله إليها بصورة سلمية لتجنيبها ما سينتج من أي مواجهة عسكرية ميؤوس منها ومعلومة النتائج، وسط قراءة مصادر عربية دبلوماسية لمعادلة مأرب تقول إن ما قبلها غير ما بعدها، خصوصاً بما يتعلق بصورة السعودية وقدرتها على حشد المواقف العربية والدولية وراءها، وفي شمال المنطقة حشود تركية إلى شمال شرقي سورية، وسط حديث عن عملية عسكرية وشيكة على مناطق سيطرة الجماعات الكردية المسلحة التي تقودها قسد، مع ترويج تركي لضوء أخضر أميركي حصل عليه الرئيس التركي رجب أردوغان من الرئيس الأميركي جو بايدن خلال لقائهما أول من أمس، بينما تحدثت مصادر كردية عن حضور روسي متزايد في المنطقة ضمن إطار الحديث عن تفاهمات تقضي بتسليم المواقع الأميركية للقوات الروسية قبل نهاية العام.
في تطورات الحصار السعودي على لبنان، ثبتت حكومة البحرين وحدها على التموضع الكلي خلف الموقف السعودي، بينما تمايزت الكويت بموقف يدعو لبنان لحل الأزمة مع السعودية على قاعدة أن الكويت حريصة على لبنان وعلى وحدة مجلس التعاون الخليجي في آن واحد، بما يضع المشاركة الكويتية في الخطوة السعودية بعيداً من القناعات الكويتية، بينما حافظت الإمارات على بقاء السفير اللبناني لديها ليصبح استدعاء دبلوماسييها ورعاياها تعبيراً عن القلق على أمنهم كما قالت، وليس قطعاً للعلاقات الدبلوماسية، فيما أكدت عمان استعدادها في أول لقاء لمجلس التعاون الخليجي على مستوى القمة أو وزراء الخارجية، لطرح القضية اللبنانية، والسعي لبلورة حلول مناسبة، بينما انتهى لقاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بأمير قطر الشيخ تميم آل ثاني إلى إعلان الأمير القطري عن إيفاد وزير خارجيته إلى بيروت لبدء مساعي وساطة في الأزمة، وكانت مشاركة الرئيس ميقاتي في قمة المناخ قد تحولت إلى منصة للقاءات عالية المستوى دولياً، بحيث شملت لقاءاته بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومديرة صندوق النقد الدولي ورئيس الاتحاد الأوروبي، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون، ونقلت مصادر سياسية عن لقاءات الرئيس ميقاتي انطباعات إيجابية لجهة التضامن مع لبنان والوعود بالمساعدة على تخطي الأزمة، والالتزام بدعم الحكومة والحفاظ على الاستقرار، كما ورد في المواقف الأميركية والفرنسية المعلنة.
في الشق الداخلي، تراجع الحديث عن استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، بعدما كشف وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرجان عن أن الأزمة ترتبط بموقع حزب الله من المعادلة اللبنانية، وما وصفه بهيمنة حزب الله على الدولة، بينما شكل رفض الوزير قرداحي للاعتذار أو الاستقالة استجابة للضغوط، سقفاً للموقف السيادي وللتمسك بالكرامة الوطنية، عقد مهمة الذين كانوا يعتقدون بفرصة الضغط عليه للاستقالة، خصوصاً بعدما نقلت مصادر وزارية عنه معادلة للاستقالة تربطها بالتراجع السعودي عن الإجراءات العدائية للبنان.
وأشار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى أنه «كان ناشد الوزير قرداحي بأن يغلّب حسه الوطني على أي أمر آخر»، ورأى أن مناشدته «لم تترجم واقعياً».
وقال ميقاتي في تصريح من مدينة غلاسكو في اسكتلندا، حيث يشارك في «مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي (COP26) الذي بدأ أعماله أمس: «نحن أمام منزلق كبير وإذا لم نتداركه سنكون وقعنا في ما لا يريده أحد منا». وأجرى ميقاتي محادثات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقد حرص الرئيس ماكرون على تمديد الاجتماع أكثر من مرة على رغم انشغالاته، معبّراً عن «تمسك فرنسا باستقرار لبنان السياسي والاقتصادي».
وفي هذا الإطار التقى الرئيس ميقاتي أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وجرى البحث في العلاقات الثنائية بين البلدين. وخلال اللقاء أكد أمير قطر أنه سيوفد وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى بيروت قريباً للبحث في السبل الكفيلة بدعم لبنان ولاستكمال البحث في الملفات المطروحة، ولا سيما معالجة الأزمة اللبنانية- الخليجية. كذلك اجتمع رئيس مجلس الوزراء مع نظيره الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح في حضور وزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح. وفي خلال اللقاء أكد الرئيس ميقاتي «حرص لبنان على العلاقة الوطيدة مع دول مجلس التعاون الخليجي والعمل على معالجة أي ثغرة تعتريها بروح الأخوّة والتعاون». وأكد رئيس وزراء الكويت «حرص بلاده على لبنان وسعيها المستمر لدعمه في كل المجالات، وفي الوقت ذاته حرصها على وحدة دول مجلس التعاون الخليجي». وشدد على أن «لبنان قادر بحكمته على معالجة أي مشكلة أو ثغرة وسيجد كل الدعم المطلوب من الكويت وسائر الدول العربية».
كما عقد الرئيس ميقاتي اجتماعاً مع رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز وجرى البحث في العلاقات الثنائية بين البلدين ودعم إسبانيا المستمر للبنان عبر المجموعة الأوروبية.
كذلك اجتمع الرئيس ميقاتي مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، وبحث معه في دعم الاتحاد الأوروبي للبنان والخطوات الحالية والمتوقعة في هذا الصدد.
وعقد رئيس الحكومة اجتماعاً مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا التي أكدت أن صندوق النقد الدولي «عازم على مساعدة لبنان للنهوض من أزمته الحالية»، واعتبرت أن «خطة التعاون التي يجري العمل عليها تشكل فرصة يجب إنجاحها من كل المعنيين لأنها باب الحل الوحيد المتاح».
وفي خلال اجتماعه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكدت الاخيرة «استعداد ألمانيا لدعم لبنان في كل المجالات»، وأعطت توجيهات فورية إلى مستشاريها للنظر في المطالب اللبنانية التي عبّر عنها الرئيس ميقاتي، لا سيما في مجال البنية التحتية ومواكبة مسار المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي وملف النازحين السوريين.
ويرأس ميقاتي الوفد اللبناني إلى المؤتمر والذي يضم وزير البيئة ناصر ياسين وسفير لبنان في المملكة المتحدة رامي مرتضى، وسيلقي كلمة لبنان اليوم.
وفي بعبدا واصل رئيس الجمهورية ميشال عون اتصالاته لمعالجة تداعيات القرار الذي اتخذته السعودية وعدد من دول الخليج، بسحب سفرائها من لبنان والطلب إلى السفراء اللبنانيين فيها المغادرة، إضافة إلى بعض الإجراءات، وذلك على خلفية الاعتراض على المواقف التي صدرت عن وزير الإعلام جورج قرداحي قبل تعيينه وزيراً في الحكومة. وفي هذا السياق، تشاور عون مع ميقاتي، في الخطوات الواجب اعتمادها لمعالجة هذه التطورات، واطلع منه على نتائج الاتصالات التي أجراها مع عدد من المسؤولين الدوليين المشاركين في القمة، والتي تناولت الموضوع نفسه.
ولفتت مصادر نيابية لـ»البناء» إلى أن الاتصالات المكثفة التي تجري على الخطوط الداخلية الخارجية وكذلك التي يجريها ميقاتي على هامش مشاركته في مؤتمر COP26 لم تتوصل إلى مخرج للأزمة الدبلوماسية بين لبنان والسعودية، مشيرة إلى أن أي قرار سيتخذ سيكون بالتوافق وثانياً بما تقتضيه المصلحة الوطنية والحفاظ على الوحدة الداخلية والسيادة الوطنية». كما أكدت مصادر فريق المقاومة أن حزب الله لا يزال على موقفه الرافض لاستقالة قرداحي كون ذلك سيمس بكرامة وسيادة البلد ولن يؤدي في المقابل إلا إلى مزيد من إذلال اللبنانيين وإهانة المشاعر الوطنية وإخضاع لبنان واللبنانيين إلى الإرادة السعودية التي تتمادى في ضغوطها وشروطها على لبنان وتتخذ منه ساحة للضغط للهروب من هزائمها في أكثر من مكان لا سيما في اليمن. وشددت المصادر على أن أي مس بقرداحي سيهدد بقاء الحكومة ولن يخضع لبنان للإملاءات السعودية.
وليس بعيدا قالت مصادر معنية بالاتصالات لـ»البناء» إن لا استقالة للحكومة، مشيرة إلى دعم تلقاه الرئيس ميقاتي من الرئيس الفرنسي لاستمرار الحكومة، هذا فضلاً عن أن هناك موقفاً غربياً لا يؤيد الإجراءات الخليجية تجاه لبنان، ولفتت المصادر في هذا السياق إلى تمايز في الموقف الأميركي عن السعودي، وهذا ما تظهر خلال دعوة وزارة الخارجية الأميركية المعنيين في الرياض إلى التواصل والحوار مع لبنان الرسمي.
وفي سياق متصل أفيد بأن الوزير قرداحي يرفض الاستقالة انطلاقاً من رفضه أن يكون كبش محرقة وهو لم يتعرّض للمملكة العربية السعودية، وهو أعرب للرئيس ميقاتي عن انزعاجه من تصريحات بعض الوزراء الذين طالبوا باستقالته. وتقول أوساط متابعة إن حزب الله أسوة برئيس تيار المردة يرفض استقالة قرداحي، بخاصة أن الأزمة أبعد بكثير من تصريح، معتبرة أن ما يجري جرى ترتيبه مسبقاً ويأتي بالتوازي مع الحراك السعودي في لبنان مع بعض القوى للانتخابات النيابية.
وبدأت قرارات مقاطعة لبنان خليجياً تدخل حيز التنفيذ. وفي الإطار، أكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات الانتهاء من «عملية عودة الدبلوماسيين والإداريين في بعثة الدولة لدى لبنان ومواطني الدولة إلى أرض الوطن، وذلك نظراً للأوضاع الأمنية والسياسية الراهنة في الجمهورية اللبنانية وتزامناً مع قرارات دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن سحب الدبلوماسيين والإداريين من لبنان ومنع سفر مواطني الدولة إليه».
كما أعلنت شركة DHLأن «أخذنا تعليمات منذ السبت بوقف البريد من لبنان إلى السعودية». وأشار السفير اللبناني في الكويت هادي هاشم قبيل مغادرته الكويت نحن نعول على حكمة وزير الخارجية الشيخ أحمد الناصر الصباح، وعلى حكمته وبعد نظره ودبلوماسيته لإيجاد المخارج المناسبة لهذه الأزمة العابرة بين لبنان وإخوته في دول الخليج العربي.
وأفادت وكالة «فرانس برس» بأن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب دعا السعودية إلى الحوار لحل الأزمة الراهنة بين الدولتين على خلفية تصريحات لوزير الإعلام جورج قرداحي. وقال «إن المشكلات بين الدول الصديقة والشقيقة لا يمكن حلها إلا بالحوار والتواصل والثقة، ولكن ليس بإرادة الفرض وهذا يسري على لبنان والسعودية». وأضاف: «لبنان يدعو السعودية إلى حوار لنحل كل المشكلات العالقة وليس الإشكال الأخير فقط لكي لا تتكرر الأزمة ذاتها في كل مرة».
وأشار المكتب السياسي لحركة أمل إلى «أن زيارة البطريرك بشارة الراعي للرئيس نبيه بري حملت عنواناً واضحاً لمهمة الالتزام بالنصوص الدستورية والقوانين في ما يتعلق بمسار الملفات القضائية، وهذا ما تبناه البطريرك وعبّر عنه بعد لقائه رئيس الجمهورية وأجهض مباشرةً من المتضررين المعروفين حول موقع الرئاسة». وقال المكتب السياسي في أمل أن «إجراء الانتخابات النيابية بموعدها وتأمين شروط ومستلزمات نجاحها هو شأن وطني عام لا يجوز أن يُقدم أي طرف سياسي، ونتيجة لأزماته الخانقة على افتعال أي مشكل أو إثارة أية شكوك من أجل تطيير الانتخابات وإدخال البلد في آتون ازماتٍ تستعصي يوماً بعد آخر، وكأن لبنان متروك للأقدار التي تضرب بساحته حدثاً بعد آخر من دون أن يرتقي الكثير ممن يتنكبون المسؤوليات إلى تحمل مسؤولياتهم والدفع باتجاه إيجاد الحلول للمشاكل التي يعاني منها اللبنانيون جميعاً في مختلف مناطقهم وانتماءاتهم في حياتهم ومعيشتهم».
في الولايات المتحدة أجرى قائد الجيش العماد جوزف عون سلسلة لقاءات تعنى جميعها بمساعدة الولايات المتحدة للجيش اللبناني وعسكرييه. سيكون للعماد عون لقاءات مع قائد منطقة القيادة الوسطى وعدد من النواب وأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مراكز الدراسات الاستراتيجية من أصل لبناني ومجموعة الدعم الأميركية للبنان، إضافةً إلى لقاءات أخرى في وزارة الخارجية.
وأعلن وزير الطاقة والمياه وليد فياض أن «لبنان وصل إلى المرحلة النهائية لتنفيذ مشروع توريد الكهرباء والغاز من مصر والأردن للبنان، عن طريق سورية».
وأكد، في حوار خاص مع «سبوتنيك»، أن الإدارة الأميركية أعطت رسائل طمأنة للجانبين المصري والأردني بأن العقود التجارية لتوريد الغاز والكهرباء للبنان لا تشوبها أي أزمة، ولن تتأثر بقانون «قيصر» للعقوبات الأميركية الموقع على سورية.