لودريان… الخيار الأمثل على خط الأزمة اللبنانية – الخليجية
} روزانا رمّال
ربما يعيش لبنان أسوأ أزماته مع الجوار العربي ففي أحلك الظروف وأصعبها لم يحصل أن غادر أهل “الطائف” – بلاد الأرز وهم صلب التركيبة والتخريجة اللبنانية بشكلها الحالي بتوليفتها الأخيرة والتي أشرفت وعدلت في الدستور والصلاحيات والذي انبثقت منه ولادة لبنان ما بعد الحرب الأهلية… لكن وعلى ما يبدو وبخروج هذا المكون الأساسي بدأت الحاجة لإعادة إحياء هذه الصيغة أو ما يعادلها لإنقاذ البلاد المنهارة أصلاً لألف سبب وسبب.
المعضلة الأكبر التي تواجهها الساحة السياسية اللبنانية اليوم هي انعدام حماسة الأطراف المحلية والخارجية معاً لفصل لبنان عن الملفات الإقليمية بانتظار أي تقدم دولي واضح يسهم باتجاه اتخاذ خيارات مفصلية أو تموضعات نهائية بانتظار ما ستؤول إليه الأمور بالجوار حول التسويات وتبيان حصة كل فريق من ضمن كباش المحاور، كيف بالحال اليوم وإيران قد أعلنت عودتها للمفاوضات النووية مع الولايات المتحدة أواخر هذا الشهر وما في ذلك من انعكاس على مختلف الملفات في اليمن والعراق وسورية وصولاً إلى لبنان.
بالتالي ليس عادياً خوض المهمة الدبلوماسية الشاقة لإعادة المياه إلى مجاريها بين لبنان والدول الخليجية، خصوصاً أن المتبرعين لهذه المهمة “قلائل” فيما غابت جامعة الدول العربية ولم تبدِ أي دولة حتى اللحظة حماسة باتجاه تحريك عجلات الاتصالات باستثناء فرنسا..! وبهذا الإطار كشف مصدر دبلوماسي فرنسي رفيع لـ “البناء” أن محركات الخارجية الفرنسية على رأسها الوزير جان إيف لودريان ومجمل الفريق الدبلوماسي قد بدأ بفصول المهمة الصعبة. والمشكلة بحسب المصدر أن السعودية غير مهتمة بالملف اللبناني على الإطلاق وأن الأمر لا يتعلق باستقالة وزير، فباريس سبقت هذا التطور بمحاولة إيجاد حل لمشكلة عدم الاهتمام هذا وذلك قبل الأزمة الأخيرة، وكشف المصدرعن قلق فرنسي من تداعيات خطيرة للأزمة إذا ما بقيت على هذه الحال.
ويتابع المصدر “مستفيداً من علاقاته المميزة مع الدول الخليجية يتولى الوزير لودريان المهمة وهو الذي سبق وتولى منصب وزير الدفاع مما سمح له بنسج علاقات وازنة مع القيادات في الخليج”.
وبالعودة إلى تاريخ الوزير لودريان كوزير مخضرم تسلم مهاماً حساسة بعهدين هولاند وماكرون، فقد عرف عنه أثناء توليه مهمة وزارة الدفاع نجاحه الاستثنائي بعد أن ارتفعت مبيعات وصفقات الأسلحة الفرنسية إلى أرقام قياسية، ولأن مرحلة تسلمه المهام أتت في صلب وتوقيت تقاطع الاستراتيجية الفرنسية مع استراتيجيات الدول الخليجية في حروب العراق وسورية واليمن بمواجهة الإرهاب ومجمل التحولات، تعمقت علاقته بالمسؤولين الخليجيين المعنيين، بالتالي وحده لودريان القادر اليوم على خلق هذا الأمل بوساطة منتجة، وإلا فإن الأمور قابلة للانزلاق وأن تصبح أكثر بغياب «وسيط» مهتم بلبنان يتمتع بهذه الميزات.
لودريان الذي يؤكد ضرورة فصل الملف اللبناني عن الصراعات الإقليمية على موعد مع طرح هذا السؤال على المسؤولين السعوديين والخليجيين أولاً، وإذا كان ذلك ممكناً فلا بد من إيجاد أولى إشارات الحلول والآمال باتجاه إبعاد لبنان المنهك عن الصراعات والبدء بعملية الإصلاحات المطلوبة، بعد أن عطلت الأزمة وقبلها أزمة تحقيقات انفجار المرفأ بعد اعتراض الثنائي الشيعي، اجتماعات الحكومة.
لودريان الذي أظهر تناغماً كبيراً مع الموقف السعودي تمظهر في لبنان بشكل ملحوظ حتى أنه اهتم مباشرة بملف العقوبات على الشخصيات اللبنانية وكل من يعيق مهمة الإصلاحات في البلاد إلى أن أقرت أوروبياً هو الخيار الأمثل لمثل هذه المهمة التي بدأتها فرنسا على ما يبدو، فقد بدأت اتصالاتها مع دول الجوار باهتمام بالغ من الرئيس ماكرون بحسب المصدر الدبلوماسي الفرنسي، و»الذي حرص على الإشارة إلى أن الرئيس ماكرون يلاحظ أن الملف اللبناني ليس حاضراً في أغلب اللقاءات والمحافل الدولية الأساسية ما خلا هوامش بعض الاجتماعات، وأن ماكرون هو الذي يطرح في كل مناسبة الملف اللبناني حرصاً منه على ضرورة إنقاذ لبنان وعدم تركه لرياح المنطقة في هذه الظروف الاقتصادية المرهقة.
الأزمة التي أضيفت إلى سلسلة الأزمات تعبر بنهاية المطاف عن اصطفاف محوري واضح لحلف مقابل آخر تجعل من المهمة الفرنسية أصعب من أي وقت مضى، ليبقى التحدي أمام إمكانية نجاح الفرنسيين بفصل الملف اللبناني عن مجمل طاولات التفاوض بالمنطقة، بما يجعلها الرابح الأكبر بالفوز بالساحة اللبنانية قبل أن تنتهي التسويات وتحدد مناطق النفوذ والمكاسب التي قد تستبعد منها فرنسا التي لم تراعِ الولايات المتحدة مصالحها في لبنان بشكل واضح حتى الساعة لصالح جهات عربية معروفة، لذلك فإن هذا الفصل إذا ما تم لن تكون فرنسا فيه إلا أكبر المستفيدين ولبنان بالطليعة بطبيعة الحال الذي يتوق لمعرفة مصيره الاقتصادي الذي يكاد يفجر الوضع الأمني في أي لحظة من اللحظات والبلاد تدخل تحدياً انتخابياً مفصلياً يزيد من احتماليات التوترات.
الدبلوماسية الفرنسية تتحرك من بابها العريض ولبنان يترقب ما يعيد استقرار الساحة السياسية بهوية واضحة ورؤية محلية ودولية موحدة للإنقاذ.