جريمة جديدة في سجلّ «الحاكم» الأسود!
} أحمد بهجة*
جريمة جديدة أضافها حاكم مصرف لبنان (ما غيره) إلى سجله الأسود. الدولار كسر حاجز الـ 23 ألف ليرة ثم تراجع قليلاً. لم يحصل الأمر في أيّ سياق اقتصادي ومالي، بل حصل في سياق سياسي مقصود ومبرمج، حيث أتى هذا الارتفاع المشبوه بعدما فشلت الإجراءات العقابية السعودية بحقّ لبنان في تحقيق مرادها بكسر إرادة اللبنانيين من خلال إجبار وزير الإعلام جورج قرداحي على الاستقالة ودفع لبنان إلى الاعتذار عن ذنب لم يرتكبه.
تطوّع «الحاكم» كعادته لخدمة غايات وأهداف الآخرين على حساب لبنان وخزينته واقتصاده وناسه، وهي جريمة موصوفة ومكشوفة أمام الملأ، ولو كنا في دولة سليمة تُطبَّق فيها القوانين لكان يجب محاكمة هذا الرجل ومَن معه من سياسيّين وإداريّين وقضاة وكلّ مَن سوّق ودعا إلى تنفيذ الشروط والمطالب الخارجية على حساب السيادة والكرامة والمصلحة الوطنية العامة.
وفي هذا السياق لا نستند فقط إلى تحليل شخصي، بل هناك أكثر من خبير معني بالشؤون المالية والاقتصادية أكدوا صحة هذا التحليل، وجزموا بأنّ سعر صرف الدولار يحظى بغطاء رسمي، خاصة حين نلاحظ أنّ هناك مَن هو قادر على تحديد سعر الصرف هبوطاً أو ارتفاعاً في السوق السوداء، حتى في أيام الإقفال، وهناك شكوك كبيرة جداً لها ما يؤكدها بأنّ المتحكّم بإدارة السوق السوداء هو نفسه المسؤول الرسمي الذي يتحكم بالقرار النقدي في البلد منذ ثلاثين سنة من دون حسيب أو رقيب.
إذ، ماذا يعني غير ذلك طلب مصرف لبنان من الشركات المستوردة للنفط أن تؤمّن له ما نسبته 10% من قيمة مستورداتها بالدولار النقدي، أيّ أنّ الشركات سوف تشتري حاجتها من الدولارات من السوق السوداء، وهذا هو بالضبط ما جعل سعر الصرف يقفز الأسبوع الماضي حوالى ثلاثة آلاف ليرة خلال يومين أو ثلاثة فقط!
انطلاقاً من هنا… لم تعد معالجة الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي تحتمل أيّ تأجيل، بل باتت المعالجة الجذرية حاجة ضرورية لا بدّ منها، حتى لو اضطر الأمر إلى إجراء جراحة موجعة بعض الشيء، حيث أنّ هذه الجراحة المؤلمة مرحلياً من شأنها استئصال أسباب المرض ومفتعلِيه، ووضع حدّ للألم الدائم، وإعطاء أمل بالشفاء والتعافي، أما إبقاء الوضع على ما هو عليه اليوم فإنّ ذلك يعني ترك الاقتصاد يتقلّب على الجمر الحارق الذي يؤدّي إلى الموت البطيء.
والأكيد أنّ هناك خطوات وقرارات ممكن اتخاذها تؤدّي إلى التخفيف من حدّة الأزمة، ولكن مع الأسف يوجد أطراف في البلد مستفيدة من التضخم المالي، وهو ما يفعله «الحاكم»، وذلك على حساب المواطن اللبناني والقطاعات الإنتاجية التي تعجز عن العمل بفعل التقلّب الحادّ لسعر الصرف.
وأبرز الخطوات والقرارات الواجب اتخاذها في أسرع وقت ممكن، ليست بالتأكيد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لأنّ القصة هنا طويلة على الأرجح، بل انّ هذه الخطوات والقرارات هي في التجاوب الفوري مع العروض العملية السخية المقدّمة للبنان من إيران وروسيا والصين، وهي عروض من شأن تنفيذها أن يدخل إلى البلد كمية كبيرة جداً من الدولارات، يزيد حجمها بأضعاف مضاعفة عن ما يمكن أن تصل إليه القروض المرتقبة من صندوق النقد الدولي، علماً أنّ ما سوف تأتي به هذه العروض ليس قروضاً، لأنّ هذه العروض هي على طريقة BOT، أيّ أنّ الشركات الروسية ستبني مصافي النفط وتشغلها لمدة يُتفق عليها مع الحكومة اللبنانية، والأمر نفسه يُطبّق على الشركات الصينية التي ستنفذ مشاريع السكك الحديد من الشمال إلى الجنوب ومن بيروت إلى المصنع، وأيضاً مشاريع تطوير المرافئ اللبنانية وفق ما طرح وزير الأشغال الدكتور علي حمية، وأيضاً ينطبق العرض نفسه على الشركات الإيرانية التي ستبني محطات الكهرباء لتغطية حاجة لبنان كله خلال مدة أقصاها سنة من تاريخ التوقيع على العقود…
طبعاً هناك تفاصيل عديدة يمكن شرحها في سياق الحديث عن العروض السالفة الذكر، وهناك أيضاً أهمية وأولوية الانفتاح على سورية وإعادة العلاقات معها إلى طبيعتها، لأنّ ذلك من شأنه أن يفتح أمام لبنان أسواقاً لا حصر لها تمتدّ إلى كلّ الدول العربية لا سيما إلى السوق العراقي الذي يمكنه استيعاب الجزء الأكبر من إنتاجنا الزراعي والصناعي…
ولكي يتحقق ذلك لا بدّ من توفر الجرأة في اتخاذ القرارات الصحيحة في وقتها، وعدم انتظار موافقة هذا الخارج أو ذاك، لأنّ مصلحتنا الوطنية تملي علينا ما يجب أو ما لا يجب فعله… ونقطة على السطر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ