رسائل حرب نفطية بين السعودية وأميركا
مرفان شيخموس
كثيرة كانت التحليلات والتوقعات عن أوضاع سوق النفط العالمي، وقد قسمت معها المحللين والمراقبين الاقتصاديين إلى فريقين. فريق يرى أنّ أسباب الانخفاض كانت نتيجة زيادة المعروض ونقص كمية الطلب على المعروض ما أدى إلى تلك الفوضى، أما الفريق الثاني فيعتبر أنّ ما يجري في أسواق النفط يعدّ عقاباً جماعياً باتفاق سعودي من أجل معاقبة روسيا اقتصادياً والضغط عليها بسبب موقفها من الأزمة الروسية، وكذلك معاقبة إيران بسبب ملفها النووي وموقفها من الأزمة السورية والتي تمّ تخفيف العقوبات عنها قليلاً وأصبحت لديها قدرة أكبر على بيع نفطها في الخارج.
ورغم اختلاف المحللين، إلا أنهم اتفقوا على الأسئلة نفسها، وهي: ما الدافع وراء إصرار السعودية على عدم تقليص إنتاجها؟ هل كان نفوذ الرياض، ضمن منظمة «أوبك»، السبب الأقوى للإبقاء على سقف الإنتاج عند ثلاثين مليون برميل يومياً؟
يعدّ قرار إبقاء سقف الإنتاج على حاله تحولاً في سياسة «أوبك» والتي كانت تتدخل في السابق، وفي شكل مباشر، لإحداث توازن في السوق عند هبوط الأسعار بشدة. وقد اعترفت المنظمة مؤخراً بأنّ قرارها الحفاظ على مستوى إنتاج النفط أضرّ بإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية، زاعمة أنه لم يكن موجهاً ضدّ أحد.
في الثامن من هذا الشهر، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» تصريحات عبد الله البدري رئيس منظمة «أوبك» في مؤتمر البحرين والذي قال أنّ هناك مشاريع قد ألغيت، وتجري حالياً إعادة النظر في الاستثمارات وخفض التكاليف، وفي حال تراجع حجم الإنتاج فإنّ ذلك سيؤدي إلى نقص في المواد الخام في السوق، وبالتالي فإنّ أسعار النفط ستنمو من جديد.
وأضاف: ليست لدى أعضاء المنظمة القدرة على «دعم» سعر النفط الصخري الذي يتنامى إنتاجه في السنوات الأخيرة، وتعتبر المنظمة أنه السبب في إضعاف أسواق النفط.
وردّاً على سؤال حول إمكانية انضمام الولايات المتحدة إلى منظمة «أوبك» قال البدري: «يمكنها الانضمام إذا كانت تريد ذلك».
وكان بعض ممثلي الدول الأعضاء في «أوبك» قد أعربوا عن نيتهم مواصلة الحفاظ على حجم الإنتاج، على الرغم من انخفاض أسعار النفط. وقال وزير النفط الكويتي علي العمير: «نحن محظوظون جدا لأنّ سعر النفط لم ينخفض إلى 20 دولاراً للبرميل»، وقد أثار تصريحه الكثير من الاستغراب لأنه يتناغم وفي شكل واضح مع تصريح سابق لوزير البترول والثروة المعدنية السعودي علي النعيمي، ومستشار الوزارة السابق محمد الصبان. وسبق للنعيمي أن أكد أنّ منظمـة «أوبك» لن تخفِّض الإنتـاج حتى لو وصـل سعـر البرميل إلى 20 دولاراً، وفي الحـادي والعشـريـن من كانون الثاني هذا العام، أعلن الصبان أنّ بلاده قد تسمح بتراجع أسعار النفط إلى أدنى مستويات ممكنة لدفع المنتجين الهامشيين إلى الخروج من الأسواق، لافتاً إلى أنّ السعودية قادرة على الصمود لثماني أعوام متواصلة.
فهل يمكننا أن نعتبر أنّ هذه التصريحات المتناغمة هي تمهيد لملتقى الإعلام البترولي الثاني لدول مجلس التعاون الخليجي الذي سينعقد بين 22 – 24 آذار الحالي في مدينة الرياض؟
يؤكد النعيمي أنّ أهمية عقد هذا الملتقى، أنه يأتي في ظروف تذبذب الأسعار العالمية للنفط، موضحاً أهمية جعل الإعلام البترولي الخليجي يبني صورة موحدة وحقيقية عن الواقع النفطي في دول الخليج.
ولفت فاتي برول رئيس «وكالة الطاقة الدولية»، من جهته، ووفقاً لصحيفة «غارديان» البريطانية، إلى أنّ مصدري النفط الخليجيين ستظلّ لهم الصدارة في السوق النفطية خلال السنوات القادمة، وأنّ إنتاج النفط الصخري الذي يمثل أخباراً سعيدة لاقتصاد الولايات المتحدة، لا يمكن الوثوق به في توفير احتياجات العالم من النفط.
وكانت عائدات النفط في الشرق الأوسط سجلت ألف مليار دولار العام الماضي، إضافة إلى وجود فائض في السوق يتراوح بين 4 و 5 ملايين برميل، ومن المرجح أن تتراجع إلى 400 مليار دولار خلال 2015. وفي السياق نفسه، تراجعت معظم أسواق الأسهم الخليجية خلال التداولات الماضية، مع استمرار التقلبات في أسعار النفط.
وبالعودة إلى تصريح النعيمي الذي قال فيه إنّ بلاده قد تسمح بتراجع أسعار النفط إلى أدنى مستويات لدفع المنتجين الهامشيين إلى الخروج من الأسواق، كشف وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، على هامش فعاليات منتدى النفط والغاز الوطني في 11 -3 -2015 أنّ روسيا تنوي المحافظة على مستويات إنتاج النفط الحالية حتى عام 2035.
وتوقع الوزير الروسي أن ترتفع أسعار النفط إلى مستوى يتراوح بين 60 و70 دولاراً للبرميل في الربع الثاني من العام الحالي.
يذكر أنّ روسيا رفعت خلال العام الماضي حجم إنتاجها النفطي إلى مستويات قياسية بلغت 526.7 مليون طن، ومن المقرّر أن يبقى حجم الإنتاج عند هذا المستوى خلال العام الحالي أيضاً، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الحالية.
ونقلت شبكة CNN الأميركية، بتاريخ 22 – 12-2014، عن السيناتور الأميركي جون ماكين، والذي يعتبر من أكثر المسؤولين الأميركيين عداءً لموسكو، قوله: «علينا تقديم الشكر إلى السعودية التي سمحت لسعر برميل النفط بالهبوط إلى درجة تؤثر في صورة كبيرة على الاقتصاد الروسي».
و أدى رفض السعودية تخفيض إنتاج النفط في إطار منظمة «أوبك» إلى انخفاض أسعاره، ما أثر سلباً على اقتصادات الدول المصدرة وبينها روسيا.
فهل يمكن وضع قرار الرياض وخلفها دعم «أوبك»، والقرار الروسي، من جهة أخرى، على لسان وزير طاقتها، في سياق رسائل حرب نارية بين الطرفين؟
تبقى الاحتمالات كافة واردة…