هل يقلب الشعب الطاولة في الانتخابات أم فالج لا تعالج…؟
} علي بدر الدين
ليس مطروحاً أو وارداً، أقله في المديين القريب والمتوسط، أن تتراجع الطبقة السياسية والمالية، عن نهجها الإفسادي والتسلطي والاستبدادي، ولو بمقدار أنملة، وهو النهج المعتمد منذ أكثر من ثلاثين سنة من الحكم والتحكم بمصير الوطن والدولة والشعب والمؤسسات، وهي تحاول بكلّ ما أوتيت من قوة وسلطة ونفوذ وضغوط، وما تملكه من وسائل الترهيب والترغيب المتاحة لها، ولديها فائض كبير منها، ان تستكمل مشروعها التخريبي والتدميري والإلغائي والتقويضي لأسس الدولة والإفقاري والتجويعي والإذلالي للشعب، رغم كل الكوارث والمآسي والأزمات على أنواعها التي افتعلتها، وأنتجت المزيد من الانهيارات المتتالية التي أصابت من الشعب مقتلاً واحتضاراً بطيئاً وفقراً وجوعاً وهجرة وتهجيراً، وهي تمشي كـ “ملك” واثق الخطوة على جثث الناس وأوجاعهم من دون رادع من ضمير، او وازع أخلاقي وإنساني، او خوف وخشية من رب العالمين والسموات والأرض، بعد أن أزاحت من طريقها شعباً بأكمله وكأنه غير موجود، ولا قيمة إنسانية له، ولا مواطنية في وطن يجب أن يحميه ويصونه، له فيه حقوق وعليه واجبات.
هذه الطبقة التي لم ترتو بعد، ولم تشبع من السلطة ولا من الجاه ولا من المال، التي جمعته من النهب والغدر وراكمته وخبّأته وهرّبته ليومها الأسود الآتي لا محالة ولو بعد حين، إنْ لم يكن اليوم فغداً أو بعده، وإنْ لم يكن في الدنيا سيكون حتماً يوم الحساب والعقاب الشديد في الآخرة، لأنّ حق الشعوب المظلومة والمغلوب على أمرها لن يضيع، ولأنّ الظالم سيُبلى بأظلم منه، والظلم المستدام ستكون عاقبته وخيمة مهما طال الزمن ام قصر، وأمثلة مصائر الحكام الظالمين المستبدين كثيرة.
هذه الطبقة تعلمت بالفعل والممارسة والتجارب التي مرّ فيها حكام كان الظلم قاسمهم المشترك، أنّ الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع عن مصالحها ومواقعها السلطوية وثرواتها ومكتسباتها، لذلك أقدمت على زرع ألغامها الطائفية والمذهبية والمناطقية والعصبية الثابتة والمتنقلة في كلّ مكان في هذا البلد الذي تحكمه بالخبث والنفاق والوعود الكاذبة وبين شعبها وبيئاتها، لتفجيره في المكان والزمان المناسبين لها، كلما شعرت أنّ خطراً ما يقترب منها او يستهدف وجودها ومصالحها ومواقعها السلطوية، ومن أجل إطفاء أيّ حريق يدنو من محاصيلها الوفيرة التي صادرتها واغتصبتها عنوة بالحرب والسلم والشعارات المغرية والوهمية، وتحاول السير بين نقاط ضعف الشعب وسكوته و”غيرته” الفضفاضة على الطائفة والمذهب والمنطقة و “ولي النعمة” كما تعتقد أو يخيّل لها. المهمّ ان لا تتبلل أو تلحقها “طرطوشة”،و لا ضير عندها إن تبلل الشعب المسكين وغرق في وحولها، وانقطعت أنفاسه و”فطس” ولتكن جهنم مأواه وملاذه.
شعب لبنان اليوم غارق حتى أذنيه بمياهها الآسنة والملوثة، منه من اختنق ومنه من في طريقه إلى الاختناق عاجلاً أم آجلاً، لأنه فقد القدرة على إنقاذ نفسه قبل فوات الأوان، وهو من أوصل حياته عن جهل او غباء او عن قصد، إلى أسفل السافلين بتبعيته وارتهانه وتصديقه لكلّ ما يُقال له، وبمواجهته لمن يمتصّ دمه بالأنين والصمت المريب، ومغالاته برفع شعارات الفداء والتضحية بالغالي والنفيس والنفس والروح والمهج، من أجل الحيتان والمتغوّلين، الذين اقتحموا حياته وسرقوا حقوقه وسطوا على أمواله، وفتكوا بالبشر ودمّروا الحجر وحرقوا الشجر، وظلموا وأفسدوا وسيطروا على كلّ ثابت ومتحوّل وصغيرة وكبيرة في هذا الوطن المنكوب والمديون والمسلوب، الذي بدأت أحواله المزرية جداً، تستجرّ العواطف والشفقة والإغاثة، كالمتسوّل الذي يمدّ يده طلباً للمساعدة حتى لا يموت من الجوع.
آخر “إنجازات” السلطة الحاكمة، الحرائق التي لفّ زنار نارها عشرات القرى في مختلف المناطق اللبنانية، وهو أمر يتكرر، كلّ سنة، من دون أيّ فعل من هذه السلطة مجتمعة لمنع حدوثها، أو توفير مقومات مواجهتها، أو حتى إقرار تعيين مأموري الإحراج الذي يبدو انه أصبح خارج التداول، مع عدم فعاليته في الحؤول دون حصول هذه الحرائق المفتعلة اكثر الأحيان، وحرمان عناصر الدفاع المدني من حقهم في التثبيت والعلاوات والامتيازات والآلات والإمكانيات، رغم معاناتهم لإطفاء أي حريق، وفي معظم الأحيان يدفعون أثماناً باهظة في الأرواح، ويسقط منهم جرحى ومعوقين. في حين انّ هذه السلطة تتناتش وتتصارع وتنتهك كلّ القوانين والحرمات وتخلط “القبوات بالسموات” ومن “الحبة قبة”، وتجعل “من عاليها واطيها” او بالعكس، اذا ما “دعس أحد على طرفها”، فتنبش بالدستور والقانون عن ثغرة لتوظيفها في خدمة مصالحها، ولحماية حصصها في ايّ شأن مهما كان وضيعاً، ولكنها أمام استحقاقات الوطن والشعب والدولة والمؤسسات، فإنها تتواطأ من تحت الطاولة ومن فوقها، بحثاً عن تسوية ما او مقايضة من هنا او هناك، لتعيد الإمساك بزمام أمور السلطة، وكأنّ شيئاً لم يحصل، ويعود كلّ حاكم بأمره وبسلطاته إلى “مضربه” ووتده.
لم يعن هذه السلطة ولا همّها ما قاله مقرّر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان الذي زار لبنان، اوليفية دي شوتر، “إنّ ما قامت به السلطات اللبنانية من تدمير للعملة الوطنية، وإدخال البلد في مأزق سياسي، وتعميق أوجه عدم المساواة التي طال أمدها قد أغرق لبنان في فقر مدقع. إنّ لبنان ليس دولة منهارة، ولكنه على شفير الانهيار وحكومته (سلطته) خذلت شعبها وخربت حياة الناس وأفقرتهم”.
كأنّ هذه السلطة لم تقرأ ما ورد في التقرير الخطير جداً الذي يعبّر عن واقع حال لبنان الكارثي، لأنها لا تزال ممعنة ومصرّة على استكمال ما بدأته في إدارة شؤون البلاد والعباد، اقتصادياً ومالياً ومعيشياً وخدماتياً، وصولاً إلى الانهيار الشامل الذي يستحيل الخروج منه في ظلّ سلوكياتها وتوجهاتها واطماعها، الذي على ما يبدو انها دائمة، وستعيد الانتخابات إنتاجها كأنها قدر مكتوب على هذا الشعب، الذي لن يخذلها ولن يسقطها، وفق المؤشرات والمعطيات ورفع منسوب الخطابات الطائفية والمذهبية التي تشتعل في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وارتداد هذا الشعب وانكفائه السريع غير المفاجئ إلى كهوفه وزعمائه الذي يعتقد وهماً وزوراً أنهم حماته ومشكى ضيمه.
بئس شعب أيّ شعب، يرضى بكل هذا الإذلال والإهانة والظلم والخنوع، والخضوع لجلاديه أو “كالقط الذي يعشق خناقه”.
ام انه يخبّئ مفاجأة من العيار الثقيل في الانتخابات النيابية الموعودة ويقلب الطاولة ويعيد خلط الأوراق من جديد، أملاً بمرحلة جديدة يمكن التعويل عليها، وعندها نرفع له القبعة، ونعتذر عن كلام قلناه بحقه وهو لا يستحقه. على الجميع التحمّل والصبر والانتظار…