مقالات وآراء

“تفاؤلات” ووعود مع وقف التنفيذ حتى يثبت العكس

} علي بدر الدين

منسوب التفاؤل الذي يرفعه رئيس حكومة “معاً للإنقاذ” نجيب ميقاتي، كلما استجدت أزمة سياسية أو اقتصادية أو مالية أو خدماتية أو معيشية، لا يعني بالضرورة، أن يكون واقعياً او متوقعاً ترجمته بين “ليلة وضحاها”، أو أصبحت لديه معطيات ومؤشرات بالغة الوضوح، تدعوه إلى التبشير بالتفاؤل بما هو آت، لأنّ ما يطفو على السطح من أزمات ومشكلات تتفاقم، ليس سوى محاولات لتسويق إعلامي ومواقف من معظم القوى السياسية، التي ترغب وتتمنى وتسعى لتبييض صفحاتها وولوج أيّ حلّ مؤقت أو تسوية عابرة وشكلية، في كثير من الملفات الخلافية العصية على المعالجة، أقله في المرحلة التي تسبق الاستحقاق الانتخابي النيابي، وأكثرها طغياناً وحضوراً، إزالة بعض العقد المعرقلة لمعاودة تنشيط الحكومة من خلال انعقاد جلساتها المعلقة خشية من انقطاع حبل التواصل بين بعض القوى، لأنّ تركه على غاربه حتى إشعار آخر، قد يرتدّ سلباً عليها، خاصة أنّ الجميع يتحضّر ويتهيّب للانتخابات النيابية، التي يتأرجح موعد حصولها ما بين آخر آذار ومنتصف أيار من العام المقبل، الذي يبدو أنّ ميزانه، يميل لصالح الموعد في أيار، بعد موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في هذا الشأن.

إنّ “تفاؤلات” رئيسي الجمهورية والحكومة بانعقاد جلسة لمجلس الوزراء مطلع الشهر المقبل، أيّ بعد عودتهما من زيارتيهما الخارجيتين إلى قطر والفاتيكان، مدعومة بتليين مواقف “الثنائي الشيعي” والمردة، قد تبعث على التفاؤل، وقد تصيب أو تخيب، لأنّ “فول” المطالب والشروط المتبادلة والمقايضات، لم يوضع بعد في “المكيول”، ما يؤشر بوضوح إلى أنّ الأمور مجمّدة و”مكانك راوح”، وأنّ الانتظار لا يزال سيد الموقف، إلى حين ترجمة وعد الرئيسين وتفاؤلهما.

لا شيء في الأفق القريب يوحي بأنّ الدخان الأبيض سيتصاعد من المطبخ السياسي والطائفي والمذهبي والسلطوي، قريباً، كلّ ما في الأمر لا يتجاوز محاولات من هنا وهناك لتقطيع الوقت وعبوره بأقلّ الخسائر، أو للتخفيف قدر الإمكان من سرعة تدحرج كرة النار، وتمديد مفعول الجرعات التخديرية للناس، الذين يكتوون، بل يحترقون بحرائق الخلافات والصراعات المحتدمة على كلّ المستويات، وهم وحدهم من يدفع أثمانها الباهظة، وتحوّل بلدهم الى سوق مفتوحة، شرعت أبوابها واقتصادها وأموالها ومواردها وقطاعاتها أمام “المافيات” وتجار الاحتكار والسارقين والفاسدين، حتى قاربت نسبة الفقراء فيه الى التسعين بالمئة، وفق أكثر من تقرير داخلي وخارجي، وانّ عملتهم الوطنية فقدت ما يقارب السبعة والتسعين من قيمتها الشرائية الفعلية، في حين أنّ القوى السياسية الحاكمة لا تزال تبحث عن “جنس الملائكة” في السياسة والاقتصاد والقضاء والسلطة والنفوذ والتحاصص والسطو على الأموال العامة والخاصة، وأن لا همّ عندها من افتقر وجاع ومرض وهاجر وتشرّد وهام على وجهه في البر والبحر والجو، وركب المخاطر والضياع هرباً من سلطة جائرة تفتقد إلى أدنى مقومات الإنسانية والمسؤولية.

لا مكان للتفاؤل على الإطلاق، ما دامت هذه السلطة تمعن في مواصلة سياسة الفساد والمحاصصة والإهمال والحرمان والإلغاء والتسلط والإستبداد، وكلّ ما قيل وما سيُقال الآن أو غداً، لا يتعدّى كونه مجرد أوهام ووعود خلّبية مع وقف التنفيذ حتى يثبت العكس.

لن يفيد أحد الكلام الكثير، ولا الوعود التي تهطل كالمطر، والبلد برمّته بات على كفّ الانهيار الشامل والكامل، وعلى شفير السقوط في المجهول من أيّ هزة ريح سياسية أو أمنية، أو من خلال غزو الصراعات وتصفية الحسابات الإقليمية والدولية لأرضه وعليها، باعتباره الحلقة الأضعف والخاصرة الرخوة التي تتلقى الضربات المتتالية من كلّ حدب وصوب، من دون أن يكون لحكامه وسياسيه، رأي أو موقف أو قرار أو حتى شعبه ممنوع عليه الصراخ من الألم، بعد أن فعلت الحكومات والعهود المتعاقبة فعلها، وأسقطت بسياساتها المعتمدة وتبعيتها وارتهانها للخارج وقضت عليه بالضربة القاضية القاتلة التي يعاني اللبنانيون من تداعياتها وهم من أول ضحاياها، وأدّت إلى تدمير الدولة، ومصادرة سلطاتها ومؤسساتها والقفز فوق دستورها وقوانينها.

من الخطأ الرهان على وعد، أو على كلام تقتضيه المصلحة والظروف والمرحلة، أو الآتي من التطورات والمتغيّرات والاستحقاقات، لأنّ المطلوب هو الفعل بصمت، بعيداً عن المزايدات والألاعيب والمناورات والرهانات والانتخابات والتحالفات وفق الحسابات الخاصة، وليس كما تقتضيها المصلحة الوطنية، التي هي في آخر اهتمامات وفي ذيل أجندات الطبقة السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى