سجل أميركا الإرهابي عبر التاريخ!
د. رفعت سيد أحمد
يبدو أنّ مصر قد دخلت مرحلة عدم الرضا الأميركي عنها، فبعد التقارب المصري الروسي، والمصري الصيني، وتنوّع مصادر استيراد السلاح صفقة رافال الفرنسية نموذجاً وأميركا لا تكفّ عن اللعب مع مصر، ألعاباً، بعضها دموي كما يتمّ عبر عملائها من التيارات التكفيرية بقيادة «داعش» في سيناء أو تلك الموجودة في ليبيا، وبعضها سياسي عبر دفع بعض دول الخليج إلى انتقاد مصر عندما تصدّت لقطر في جامعة الدول العربية واصفة إياها وصفاً هو الحقيقة المُرّة التي لم تجرؤ مصر على قولها منذ بدء ثورة كانون الثاني 2011 وخطف «الإخوان» وقطر لها، عندما وصفها بأنها دولة والأصحّ دويلة داعمة للإرهاب في المنطقة، وبعض الأخير من اللعب الأميركي يتمّ هذه الأيام باسم حقوق الإنسان عبر منظمات ودكاكين حقوق الإنسان في مصر المنتشرة كالفطر في عمالة للغرب نادرة المثال، وأميركا التي فعلت كلّ هذا نسيَت تاريخها، ونسيَت جرائمها ليس مع مصر فحسب ولكن مع المسلمين، والبشرية ككلّ. لعلّ جريمة حماية السلطات الأميركية للمواطن الأميركي القاتل غريغ هيكس قبل أيام، الذي قتل عائلة مسلمة يوم 10/2/2015 في شايل هيل بولاية كارولينا عائلة ضياء بركات 23 سنة وزوجته يسرا محمد 21 سنة وأختها رزان 19 سنة هي أحدث الجرائم العنصرية التي حمت فيها الإدارة الأميركية القاتل بحجة أنّ الأمر كان مشاجرة عادية، وهو لم يكن كذلك.
إنّ التاريخ الأميركي المجرم تجاه العالم والذي سنذكر بعض وقائعه يقول لأميركا عيب جداً أن تتهمي مصر بانتهاك حقوق الإنسان وأنتِ أكبر مجرم في التاريخ الإنساني، وكما تقول الأغنية المصرية إن كنت ناسي أفكّرك وها نحن نذكّرهم ببعض تاريخهم الأسود!
قتل و«غلي» لليابانيين
في الحرب العالمية الثانية، دمّرت 334 طائرة أميركية ما مساحته 16 ميلاً مربعاً من طوكيو، بإسقاط القنابل الحارقة، وقتلت مائة ألف شخص في يوم واحد، وشرّدت مليون نسمة، ولاحَظَ أحدُ كبار الجنرالات بارتياح، أنّ الرجال والنساء والأطفال اليابانيين قد أحرقوا، وتمّ غليهم وخبزهم حتى الموت، وكانت الحرارة شديدة جداً، حتى إنّ الماء قد وصل في القنوات درجة الغليان، وذابت الهياكل المعدنية، وتفجر الناس في ألسنة من اللهب، وتعرّضت أثناء الحرب حوالي 64 مدينة يابانية للقنابل، واستعملوا ضدّهم الأسلحة النووية، ولذلك فإنّ اليابان لا تزال حتى اليوم تعاني من آثارها. وألقت قنبلتين نوويتين فوق مدينتي هيروشيما وناغازاكي، وقال بعدها الرئيس الأميركي هاري ترومان، وهو يكنّ في ضميره الثقافة الأميركية: «العالم الآن في متناول أيدينا».
وفي الخمسينات ذبحت الولايات المتحدة في تقدير معتدل زهاء عشرة ملايين صيني وكوري وفيتنامي وكمبودي، وتشير إحدى الوثائق العالمية المهمة إلى مقتل مليوني كوري شمالي في الحرب الكورية، وكثير منهم قتلوا في الحرائق العاصفة في «بيونغ يانغ» ومدن رئيسة أخرى.
محرقة فيتنام
وفي الستينات سبّبت حرب فيتنام التي شنّتها أميركا في مقتل 160 ألف شخص، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأة، ونُزعت أحشاء ثلاثة آلاف شخص وهم أحياء، وأحرق أربعة آلاف حتى الموت، وهوجمت 46 قرية بالمواد الكيماوية السامة.
هذه هي أميركا التي تدافع اليوم عن إرهاب الجماعات المسلحة وعن سياسات قادة «الإخوان المسلمين» في مصر وسورية وليبيا، وهذه بعض أفعالها لمن يجهلها.
يحدثنا التاريخ أيضاً أنّ القصف الأميركي لهانوي في فترة أعياد الميلاد، أدى إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم. وقتل الجيش الأميركي المدرّب في غواتيمالا أكثر من 150 ألف فلاح.
إبادة الهنود الحمر
وقاموا بإبادة ملايين الهنود الحمر، يصل عددهم في بعض الإحصائيات إلى أكثر من مائة مليون، وأصدرت بعد ذلك قانوناً بإزاحة الهنود من أماكنهم إلى غربي الولايات المتحدة وذلك لإعطاء أراضيهم للمهاجرين، وكان ذلك منذ قرابة 190 عاماً، وهُجّر إلى المناطق الجديدة أكثر من 70.000 ألف هندي، فمات كثير منهم في الطريق الشاق الطويل، وعرفت هذه الرحلة تاريخياً: برحلة الدموع.
وفي عام 1763 أمر قائد أميركي برمي بطانيات كانت تستخدم في مصحّات علاج الجدري إلى الهنود الحمر بهدف نشر المرض بينهم، مما أدّى إلى انتشار الوباء الذي نتج عنه موت الملايين، ونتج عن ذلك شبه فناء للسكان الأصليين في القارة الأميركية. إنها حرب جرثومية بكلّ ما في الكلمة من معنى، فكانت هذه الحادثة هي أول وأكبر استخدام لأسلحة الدمار الشامل ضدّ الهنود الحمر.
وفي إحدى المعارك قتلت أميركا فيها خلال ثلاثة أيام فقط 45 ألف من الأفريقيين السود، ما بين قتيل وجريح ومفقود وأسير. وأميركا أكثر من استخدم أسلحة الدمار الشامل، فقد استخدمت الأسلحة الكيماوية في الحرب الفيتنامية، وقتل مئات الآلاف من الفيتناميين. وأميركا أول من استخدم الأسلحة النووية في تاريخ البشرية. كما سبق وأشرنا.
مذابح العراق
يزعم مؤيدو بعض الثورات المزيفة في المنطقة، أنّ أميركا تساند الثورات العربية هي وحلف الناتو، وبالتالي ينبغي أن نشكرها، ونسي هؤلاء المضَّللون أنّ جرائم أميركا ضدّ العرب والمسلمين يندى لها جبين الإنسانية وإليكم بعض الأمثلة: قُتل أكثر من مليون طفل عراقي، بسبب قصف الطائرات الأميركية للعراق، وحصارها الظالم له خلال أكثر من عشر سنوات قبل الاحتلال المباشر 2003 وبعد الاحتلال وصل عددهم إلى 5 ملايين قتيل، وأصيب الآلاف من الأطفال الرضع في العراق بالعمى لقلة الأنسولين، وهبط متوسط عمر العراقيين 20 سنة للرجال، و11 سنة للنساء، بسبب الحصار والقصف الأميركي، وأكثر من نصف مليون حالة وفاة بالقتل الإشعاعي. وقد رفع أحد المحامين الأميركيين دعوى على الرئيس الأميركي جورج بوش ـ الأب ـ يطالب فيها بمحاكمته على أنه مجرم حرب، بسبب ما أحدثه في العراق من قتل وتدمير، وارتكب الأميركان المجازر البشعة، في حرب الخليج الثانية ضدّ العراق، فقد استخدمت أميركا متفجرات الضغط الحراري، وهو سلاح زنته 1500 رطل. وكان مقدار ما ألقي على العراق من اليورانيوم المنضب أربعين طنّاً، وألقي من القنابل الحارقة ما بين 60 إلى80 ألف قنبلة، قتل بسببها 28 ألف عراقي. وقتل الآلاف من الشيوخ والنساء والأطفال الفلسطينيين بالسلاح الأميركي. وقتل الآلاف من اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين في المجازر التي قامت بها «إسرائيل» بحماية ومباركة أميركية على مدار 9 حروب آخرها حرب غزة في 2014، والتى دمّر فيها عشرون ألف منزل وقتل فيها قرابة الـ 7 آلاف فلسطينى!
جرائم بين الصومال وليبيا
ويحدثنا التاريخ أنه وفي الحرب على الصومال قتل الجيش الأميركي الآلاف من الصوماليين أثناء غزوهم للصومال. وفي التسعينات شنت أميركا هجوماً عنيفاً بصواريخ كروز على السودان وأفغانستان، وقصفوا خلاله معمل الشفاء للدواء في السودان، وقتلوا أكثر من مائتين، دعمت حركة التمرّد وبعض الدول المحيطة بها إلى أن تمّ انفصال الجنوب في كانون الثاني 2011، وقصة تأييدها الأعمى لـ«إسرائيل» ومجازرها في لبنان وفلسطين قصة طويلة ومخزية.
وقتل في أفغانستان خلال ثلاثة أشهر فقط عام 2001 نتيجة القصف الأميركي ما لا يقلّ عن 50 ألف أفغاني، جُلّهم إنْ لم يكونوا كلهم من المدنيين. وتسبّب حصارهم لأفغانستان في قتل أكثر من 15.000 طفل أفغاني.
أما حصارها على ليبيا قبل المؤامرة الأخيرة التي سُمّيت «ثورة» 17 شباط 2011، وهي مؤامرة تعاني مصر اليوم 2015 منها بسبب سيطرة «داعش» وأخواتها على ليبيا، هذه المؤامرة أدّت إلى كوارث كبرى، إذ بعد خمسة أشهر فقط من بداية الحظر الجوي والحصار، بلغت خسائر ليبيا ما يزيد على 2 مليار دولار، أما الحرب والمؤامرة الخليجية الأميركية بعد 17/2/2011 فقد قتلت أميركا وحلفاؤها فيها قرابة الـ10 آلاف مدني في طرابلس لوحدها.
ويحدّثنا التاريخ أيضاً أنه وبرعاية أميركية قتل عسكريو أندونيسيا أكثر من مليون شخص، وأما معاملتهم للأسرى فأسوأ معاملة، ونموذج معتقل غوانتانامو وسجن أبو غريب خير شاهد على ذلك.
لقد حرص الأميركيون على إظهار التشفي من هؤلاء الأسرى في غوانتانامو في كلّ مناسبة، حتى بلغت بهم الحال أن يتركوا هؤلاء الأسرى في مقاعدهم، لأكثر من يوم ونصف بلا أي حراك، ومن دون تمكينهم من استخدام دورات المياه، كما توضح الصور، أنّ الأميركيين حرصوا على تعطيل كافة الحواس: السمع والبصر بل حتى الفم والأنف، وضع عليها أغطية كثيفة، والمتأمّل للصور يشعر بأنّ الأسرى يفتقدون حتى الإحساس بالمكان، وربما الزمان، ومن الواضح خلال تصريحات المسؤولين الأميركيين، أنهم لن يتردّدوا في استخدام أي وسيلة يتمّ من خلالها إهانة وتحطيم هؤلاء الأسرى. مع الدوس بالأحذية على المصاحف بشكل يومي مهين لعقيدة الأسرى، وهم في كلّ هذا خالفوا كلّ الأديان والشرائع، وخالفوا اتفاقات جنيف التي تؤكد على أنّ إجبار أسير الحرب على الإدلاء باعترافاته هو عمل إرهابي.
أميركا وجرائم الحرب
هذا ويلخص الخبراء في مجال حقوق الإنسان أبرز جرائم الحرب التي ارتكبتها أميركا والتي لا تسقط بالتقادم في القائمة التالية من التهم:
1 – جرائم في الحرب الأميركية الفلبينية: أجرت التحقيق لجنة التحقيق بالكونغرس في جرائم الحرب العسكرية في الفلبين. حيث قُتل ما يقرب من 1 مليون و500 ألف مدني.
2 جرائم أميركا في الحرب العالمية الثانية: وذلك ممثلاً في القصف الجوي على المدن، حيث استخدم الحلفاء ودول المحور القصف الجوي على المدن والمدنيين طريقة للانتصار في الحرب. مما خلف حوالي 2.5 مليون قتيل مدني قُتلوا تحت القصف الجوي الأميركي والبريطاني.
– مثال ذلك قصف مدينة دريسدن الذي خلف 25 ألف قتيل وبرلين الذي خلف 800 ألف قتيل بألمانيا.
– قصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي باليابان. حيث تم قصف المدينتين بقنبلتين نوويتين لإرغام دول المحور على الاستسلام كما سبق وأشرنا .
قتل أسرى الحرب كما حدث في مجزرة كانيكاتي بإيطاليا على يد العقيد جوزيف مكافري.
– مجزرة داتشاوي في ألمانيا.
– مجزرة بيسكاري بإيطاليا.
– عملية «teardrop» حيث تمّ قتل 8 بحارة ألمان بعد القبض عليهم وكانوا قد نجوا من غرق سفينة ألمانية.
– مجزرة أودوفيل لا هوبيرت بفرنسا، حيث تمّ قتل 80 أسيراً ألمانياً.
– مجزرة ساحل أوماها بفرنسا حيث تمّ قتل 64 أسير ألماني.
وهناك العديد من جرائم الحرب في قتل الأسرى وقعت في ألمانيا واليابان لم يتمّ التحقيق فيها ،وقد أكدها باحثون مثل كتاب «يوم المعركة» لريك أتكينسون، وكتاب «معركة نورماندي دي-داي» لأنتوني بيفر، المؤرّخ الأميركي جيمس وينغارتنر أرجع القلة الشديدة لأسرى الحرب اليابانيين لدى الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية إلى عاملين أساسيين:
1 مقاومة اليابانيين الشديدة للاستسلام. 2 اقتناع أميركي منتشر لدى الجنود أنّ اليابانيين عبارة عن «حيوانات» أو «غير آدميين» بما لا يعطيهم حق المعاملة بقوانين حماية أسرى الحرب. المؤرّخ فيرغيوسن أكد العامل الثاني بأنّ «قوات الحلفاء كانت تنظر لليابانيين كما كان النازيون ينظرون إلى خصومهم خاصة الروس أنهم «Untermenschen» أي «غير آدميين». ومن ثم قاموا بقتلهم بدم بارد مع اغتصاب نسائهم!
3 – الحرب الكورية: حيث قامت وحدة برية وطائرات عسكرية أميركية بقتل ما بين 300 إلى 400 مدني في الأيام ما بين 26 إلى 29 تموز 1950، أغلبهم نساء وأطفال وشيوخ في قرية نوغن – ري بكوريا الجنوبية، لم يتمّ التعرّف على أغلب القتلى والمفقودين حـتى اليوم.
4 – الحرب الفيتنامية: ولقد سبقت الإشارة بالتفصيل إليها ونضيف إليها أنّ أميركا قامت باستخدام الرش الكيماوي لتدمير وحرق وإتلاف البشر والحقول والقرى في فيتنام – مثال ذلك عملية رانش-هاند والتي وقعت سنة 1962 واستمرّ تأثيرها حتى 1971. وكانت فيتنام قد ادّعت سنة 1995 أنّ عدد القتلى في الحرب بلغ 5 ملايين، 4 ملايين منهم مدنيون عُزّل. في حين كان وزير الدفاع الأميركي ماكنمارا وقتها قد قال في لقاء متلفز لاحقاً أنّ عدد القتلى 3 ملايين و 400 ألف.
5 – قصف يوغوسلافيا: أدانت منظمة العفو الدولية القصف الجوي الذي قامت به قوات الناتو بدعم أميركي سنة 1999، حيث خلف القصف على الأقلّ 400 مدني وعلى الأكثر 5000 مدني قتيل.
أميركا في كلّ هذه الجرائم هي أمّ الإرهاب ذاته، ولعلّ رعايتها أخيراً لتنظيم «داعش» الإرهابي في العراق وسورية، وسيناء وليبيا، رغم جرائمه المشهورة والمعادية لكلّ القيم الإنسانية، ورغم ادّعاء واشنطن أنها تحاربه، يؤكد هذا الإجرام الأميركي التاريخي، أنها تستخدم مع هذا التنظيم ما يمكن تسميته بـ الحرب الناعمة ، التي تحجّم التنظيم ولكنها لا تقضي عليه. إنّ صناعة أميركا لوحش الإرهاب سواء من «القاعدة» عندما صنعتها لتحارب الاتحاد السوفياتي من بوابة أفغانستان في التسعينات، أو «داعش» وأخواتها لكي تفكك سورية وليبيا والآن مصر، ثم لكي تستخدمه كفزاعة لامتصاص النفط، إنها بذلك تقدّم نفسها كأكبر داعم للإرهاب في العالم. فلماذا تنتقد واشنطن مصر؟ رغم أنها تدافع عن أمنها القومي وعن مواطنيها المذبوحين في ليبيا أو سيناء! لماذا؟ الإجابة ببساطة شديدة: لأنّ أميركا لا تريد الخير لمصر. فانتبهوا أيها السادة!
E mail : yafafr hotmail. com